ثم أخذ في وعظه فقال: روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه كذا. ووعظ حتى بكى الطائع وسمع شهيقه، وابتل منديل من دموعه. فلما انصرف سئل الطائع عن سبب طلبه، فقال: رفع إلي أنه ينتقص عليا، فأردت أقابله، فلما حضر افتتح بذكره والصلاة عليه، وأعاد وأبدى في ذكره، فعلمت أنه وفق، ولعله كوشف بذلك (1).
قاضي المرستان، أنبأنا القضاعي، حدثنا علي بن نصر، حدثنا أبو الثناء شكر العضدي، قال: لما دخل عضد الدولة بغداد وقد هلك أهلها قتلا وخوفا وجوعا للفتن التي اتصلت بين السنة والشيعة، فقال: آفة هؤلاء القصاص، فمنعهم، وقال: من خالف أباح دمه، فعرف ابن سمعون، فجلس على كرسيه، فأمرني مولاي، فأحضرته، فدخل رجل عليه نور، قال شكر: فجلس إلى جنبي غير مكترث، فقلت: إن هذا الملك جبار عظيم، ما أوثر لك مخالفته، وإني موصلك إليه، فقبل الأرض وتلطف له واستعن بالله عليه: فقال: الخلق والامر لله، فمضيت به إلى حجرة قد جلس فيها الملك وحده، فأوقفته ثم دخلت أستأذن، فإذا هو إلى جانبي، وحول وجهه إلى دار عز الدولة ثم تلا: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة) [هود:
102] ثم حول وجهه وقرأ: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) [يونس: 14] ثم أخذ في وعظه، فأتى بالعجب، فدمعت عين الملك، ما رأيت ذلك منه قط، وشرك كمه على وجهه، فلما خرج أبو الحسين رحمه الله، قال الملك: اذهب إليه بثلاثة آلاف درهم وعشرة أثواب من الخزانة فإن امتنع فقل له: فرقها في أصحابك، وإن قبلها فجئني برأسه، ففعلت، فقال: إن ثيابي هذه فصلت من نحو أربعين سنة ألبسها يوم خروجي وأطويها