سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٣٧٤
مقصر، والله يعفو عنه، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص، فأمره إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى.
وكلام ابن خزيمة هذا وإن كان حقا فهو فج، لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء.
قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله تعالى، ومن قال: إنه مخلوق. فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولابن خزيمة عظمة في النفوس، وجلالة في القلوب لعلمه ودينه، واتباعه السنة.
وكتابه في " التوحيد " مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة (1)،

(١) حديث الصورة، أخرجه البخاري في " صحيحه " ١١ / ٢ في أول الاستئذان، ومسلم (٢٨٤١) في الجنة: باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وأحمد:
٢ / ٣١٥، وابن خزيمة في " التوحيد " ٣٩ ٤٠ من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه، قال:
اذهب، فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم: فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزاده: " ورحمة الله " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ".
وأخرجه مسلم (٢٦١٢) (١١٥) وأحمد: ٢ / ٤٦٣ و ٥١٩، وابن خزيمة ص ٣٧ من طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته ".
وأخرجه أحمد: ٢ / ٢٤٤، والآجري في " الشريعة " ١٤٣، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ٢٩٠ من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة..
وأخرجه أحمد: ٢ / ٣٢٣ من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى ابن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة.. وأخرجه أحمد: ٢ / ٢٥١، ٤٣٤، وابن خزيمة ٣٦ من طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة.
وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " رقم (173) وابن خزيمة ص 36 من حديث ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته ".
قال ابن خزيمة بعد أن أورد هذه الأحاديث: " توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله:
" على صورته " يريد صورة الرحمن، عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله: خلق آدم على صورته: الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم. أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبح وجهه، فزجر صلى الله عليه وسلم أن يقول: ووجه من أشبه وجهك، لان وجه آدم شبيه وجه بنيه.
فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبحا وجه آدم صلوات الله وسلامه عليه. ثم أورد حديث ابن عمر، من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر مرفوعا بلفظ: " لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن ". ورواه أيضا من طريق سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء مرسلا، وقال: في هذا الخبر علل ثلاث، أولاهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسل الثوري ولم يقل: عن ابن عمر. والثانية: أن الأعمش مدلس، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت، والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس، لم يعلم أنه سمعه من عطاء " وانظر تمام كلامه فيه.
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 11 / 2 3 في أول الاستئذان: " واختلف إلى ماذا يعود الضمير؟
فقيل: إلى آدم، أي: خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط، وإلى أن مات، دفعا لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى، أو ابتدأ خلقه كما وجد، لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة.
وقيل: للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان، ولا أول لذلك، فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة.
وقيل: للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الانسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره.
وقيل: الضمير لله، وتمسك قائل ذلك بما ورد في بعض طرقه " على صورة الرحمن " والمراد بالصورة: الصفة، والمعنى: أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شئ. وراجع ما كتبه الحافظ ابن حجر أيضا عن عود الضمير في " صورته " في " الفتح " 5 / 133، و 6 / 260.
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 376 377 378 379 380 ... » »»