سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٢٩
جزرة، فكان الأطباء يختلفون إليه، فلما أعياه الامر، أخذ العسل والشونيز (1)، فزادت حماه، فدخلوا عليه وهو يرتعد ويقول: بأبي أنت يا رسول الله، ما كان أقل بصرك بالطب.
قلت: هذا مزاح لا يجوز مع سيد الخلق، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالطب النبوي، الذي ثبت أنه قاله على الوجه الذي قصده فإنه قاله بوحي، " فإن الله لم ينزل داء، إلا وأنزل له دواء " (2) فعلم رسوله ما أخبر الأمة به ولعل صالحا قال هذه الكلمة من الهجر (3) في حال غلبة الرعدة، فما وعى ما يقول، أو لعله تاب منها، والله يعفو عنه.
قال علي بن محمد المروزي: حدثنا صالح بن محمد: سمعت عباد ابن يعقوب يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة. قلت:
ويلك! ولم؟ قال: لأنهما قاتلا عليا بعد أن بايعاه.
قال ابن عدي (4): بلغني أن صالح بن محمد وقف خلف الشيخ أبي الحسين عبد الله بن محمد السمناني، وهو يحدث عن بركة الحلبي بتلك الأحاديث، فقال: يا أبا الحسين! ليس ذا بركة، ذا نقمة.

(1) الشونيز: هو الحبة السوداء في لغة الفرس، وانظر ما كتبه ابن القيم عن الشونيز في " زاد المعاد " 4 / 297 300.
(2) أخرجه البخاري: 10 / 113 114 في أول كتاب الطب عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرجه ابن ماجة (3438) في الطب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وأخرجه أبو داود في الطب (3855) عن أسامة بن شريك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الاعراب من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: " تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم ". وأخرجه أحمد: 4 / 278، وابن ماجة (3436)، والترمذي (2038) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال: وصححه ابن حبان (1395) و (1924).
(3) أي: من الهذيان. انظر " اللسان " مادة " هجر ".
(4) في " الكامل " 1 / 39 / أ، في ترجمته لبركة الحلبي.
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»