سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٦٠٠
قال أبو بكر بن المقرئ: حدثنا محمد بن بكر الشعراني بالقدس، حدثنا أحمد بن سهل الهروي قال: كنت ساكنا في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت بعد العشاء، فإذا هو يقرأ: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) * الآية: 26] قال: ثم نزلت في السحر، فإذا هو يقرؤها، ويبكي، فعلمت أنه كان يتلوها من أول الليل.
قال محمد بن يوسف الكندي: قدم بكار قاضيا إلى أن توفي، فأقامت مصر بلا قاض بعده سبع سنين، ثم ولى خمارويه محمد بن عبدة القضاء. قال: وكان أحمد بن طولون أراد بكارا على لعن الموفق، يعني: ولي العهد، فامتنع، فسجنه، إلى أن مات أحمد بن طولون، فأطلق القاضي بكار، وبقي يسيرا ومات، فغسل ليلا، وكثر الناس، فلم يدفن إلى العصر.
قلت: كان عظيم الحرمة، وافر الجلالة، من العلماء العاملين، كان السلطان ينزل إليه، ويحضر مجلسه، فذكر أبو جعفر الطحاوي أن بكار ابن قتيبة استعظم فسخ حكم الحارث بن مسكين في قضية ابن السائح، يعني لما حكم عليه، فأخرج من يده دار الفيل، وتوجه ابن السائح إلى العراق بغوث على ابن مسكين. قال الطحاوي: وكان الحارث إنما حكم فيها بمذهب أهل المدينة، فلم يزل يونس بن عبد الأعلى يكلم القاضي بكارا، ويجسده حتى جسد، ورد إلى ابني السائح الدار. ولا أحصي كم كان أحمد بن طولون يجئ إلى مجلس بكار وهو يملي، ومجلسه مملوء بالناس، فيتقدم الحاجب، ويقول: لا يتغير أحد من مكانه، فما يشعر بكار إلا وأحمد إلى جانبه، فيقول له: أيها الأمير، ألا تركتني كنت أقضي
(٦٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 595 596 597 598 599 600 601 602 603 604 605 ... » »»