سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٥٣٦
وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، وجلس بين يديه، فجئ بشهود، فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن أعباء الإمامة، وأقر بذلك، ومد يده، فبايع ابن عمه المهتدي بالله، فارتفع حينئذ المهتدي إلى صدر المجلس، وقال: لا يجتمع سيفان في غمد، وأنشد قول ابن أبي ذؤيب:
تريدين كيما تجمعيني وخالدا * وهل يجمع السيفان، ويحك في غمد؟!
وكان المهتدي أسمر رقيقا، مليح الوجه، ورعا عادلا صالحا متعبدا بطلا شجاعا، قويا في أمر الله، خليقا للامارة، لكنه لم يجد معينا ولا، ناصرا، والوقت قابل للادبار.
نقل الخطيب عن أبي موسى العباسي. أنه ما زال صائما منذ استخلف إلى أن قتل (1).
وقال أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت عند المهتدي عشية في رمضان، فقمت لانصرف، فقال: اجلس. فجلست، فصلى بنا، ودعا بالطعام، فأحضر طبق خلاف (2) عليه أرغفة وآنية فيها ملح وزيت وخل، فدعاني إلى الاكل، فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ. فقال، ألم تكن صائما؟ قلت: بلى. قال: فكل واستوف، فليس هنا غير ما ترى؟!
فعجبت، ثم قلت: ولم يا أمير المؤمنين، وقد أنعم الله عليك؟ قال:
إني فكرت أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز، فغرت على بني هاشم، وأخذت نفسي بما رأيت (3).

(1) " تاريخ بغداد " 3 / 349، و " تاريخ الخلفاء ": 361.
(2) ضبطت اللام في الأصل بالتشديد. وجاء في القاموس: والخلاف، ككتاب، وشده لحن: صنف من الصفصاف. ومن عيدانه تصنع الاطباق.
(3) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 3 / 350، و " تاريخ الخلفاء ": 311.
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»