سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٨٨
يعني: ينزع منه اللحن، فقال: لا بأس به، وسمعته يقول: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها، ما عقلناه.
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، يقول: ما الدنيا إلا كحلم، والله ماضر رجلا اتقى الله على ما أصبح وأمسى، لقد حججت وأنا ابن أربع وعشرين سنة، خرجت راجلا من بغداد إلى مكة، هذا من خمسين سنة كأنما كان أمس. فقلت ليحيى: ترى أن ينظر الرجل في رأي الشافعي، وأبي حنيفة؟ قال: ما أرى لاحد أن ينظر في رأي الشافعي، ينظر في رأي أبي حنيفة أحب إلي.
قلت: قد كان أبو زكريا رحمه الله حنفيا في الفروع، فلهذا قال هذا، وفيه انحراف يسير عن الشافعي.
قال ابن الجنيد: وسمعت يحيى، يقول: تحريم النبيذ صحيح، ولكن أقف، ولا أحرمه، قد شربه قوم صالحون بأحاديث صحاح، وحرمه قوم صالحون بأحاديث صحاح.
وسمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: حديث الطلاء (1) وحديث

(1) في " الموطأ " رقم (1543) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا، لا يصلحنا إلا هذا الشراب.
فقال عمر: اشربوا هذا العسل. قالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر إصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم.
وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز، عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد: فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسود كأنه طلاء الإبل فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث بريحه، وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن يشربوا.
ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما طبخ، وذهب ثلثاه، وبقي ثلثه.
وأخرج النسائي 8 / 329 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب عمر: اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين، ولكم واحد. قال الحافظ في " الفتح " 10 / 55 بعد أن ذكرها: وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضها بأن المحذور منه.
السكر، فمتى أسكر، لم يحل.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»