سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٤٨٦
مني؟ قال: ست كلمات: رأيت الناس في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله (1). قال الله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (هود: 6) ورأيت لكل رجل صديقا يفشي إليه سره، ويشكو إليه، فصادقت الخير ليكون معي في الحساب، ويجوز معي الصراط.
ورأيت كل أحد له عدو، فمن اغتابني ليس بعدوي، ومن أخذ مني شيئا ليس بعدوي، بل عدوي من إذا كنت في طاعة، أمرني بمعصية الله، وذلك إبليس وجنوده، فاتخذتهم عدوا وحاربتهم.
ورأيت الناس كلهم لهم طالب، وهو ملك الموت، ففرغت له نفسي.
ونظرت في الخلق، فأحببت ذا، وأبغضت ذا. فالذي أحببته لم يعطني، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا، فقلت: من أين أتيت؟ فإذا هو من الحسد فطرحته، وأحببت الكل، فكل شئ لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم.
ورأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى، ورأيت مأواي القبر، فكل شئ قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي لا عمر قبري.
فقال شقيق: عليك بهذه الخصال.
قال أبو عبد الله الخواص: دخلت مع حاتم الأصم الري، ومعنا ثلاث مئة وعشرون رجلا نريد الحج، عليهم الصوف والزربنانقات، ليس معهم جراب ولا طعام.

(1) لا يفهم من كلام حاتم الأصم رحمه الله ترك الأسباب، والقعود عن التماسها، والبقاء عالة على الناس كما يفهمه المتواكلون، وإنما يعني أنه لابد مع السعي والعمل من التوكل على الله الذي يثمر الرضى والقناعة بما قسم له حتى يكون أغنى الناس.
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»