سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٣٤
الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملا، فهو صديق. ومن ضعف، فلا أقل من التألم والانكار بالقلب. ليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله.
سفيان الثوري، عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزام، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تودع منهم " (1). هكذا رواه جماعة عن سفيان.
ورواه النضر بن إسماعيل، عن الحسن، فقال: عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. ورواه سيف بن هارون عن الحسن، فقال: عن أبي الزبير: سمعت عبد الله بن عمرو مرفوعا.
سفيان الثوري، عن زبيد، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري،

(1) رجاله ثقات، لكن فيه تدليس محمد بن مسلم أبي الزبير. والحسن بن عمرو هو الفقيمي، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4 / 96، ووافقه الذهبي المؤلف. ونقل المناوي في " الفيض " أن البيهقي تعقب الحاكم بأنه منقطع، حيث قال: محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي، ولم يسمع من ابن عمرو، لكن وقع عنده في السند خطأ، وهو قوله: عن محمد بن مسلم بن السائب، وصوابه: محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير، مولى حكيم بن حزام، كما جاء في أصلنا هذا، فإن الحديث لا يعرف إلا به. ويغلب على الظن أن الخطأ فيه من النساخ. وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 163 و 190 من طريق ابن نمير وسفيان الثوري، كلاهما عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 262، وقال: رواه أحمد والبزار بإسنادين، ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد. وقوله: " فقد تودع منهم "، بضم التاء والواو، وكسر الدال المشددة، من التوديع. قال الزمخشري في " الفائق ": أي استريح منهم، وخذلوا، وخلي بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي، وهو من المجاز، لان المعتني بإصلاح شأن الرجل إذا يئس من صلاحه، تركه ونفض منه يده، واستراح من معاناة النصب في استصلاحه. ويجوز أن يكون من قولهم: تودعت الشئ، أي: صنته في ميدع.. أي: فقد صاروا بحيث يتحفظ منهم، كما يتوقى شرار الناس.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»