سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢١٦
قلائل. ما أعدل بالفقر شيئا. ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر.
وقال: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف، قد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحا ومساء.
قال المروذي: وذكر لأحمد أن رجلا يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له (1). وقال: لقد استرحت، ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث، وليتنا نترك، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث. فقلت له: إن فلانا، قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها، قال: زهد في الناس. فقال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟
الناس يريدون أن يزهدوا في.
وسمعته يكره للرجل النوم بعد العصر، يخاف على عقله (2).
وقال: لا يفلح من تعاطى الكلام، ولا يخلو من أن يتجهم (3)

(١) اللقاء الذي لم يرغب فيه الإمام أحمد هو الذي يراد منه ذيوع الصيت والتكلف. أما لقاء الناس لتعليمهم ما جهلوا من أمر دينهم، وإسداء النصح لهم، وصلة أرحامهم، وزيارتهم في المناسبات المشروعة، فهو مما يرتضيه ويرغب فيه، لان ذلك مما يحمده الشرع ويحث عليه. فقد روى الإمام أحمد ٢ / ٤٣، وابن ماجة (٤٠٣٢)، والترمذي (٢٥٠٧) بسند قوي من حديث ابن عمر مرفوعا: " المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم ".
(٢) لم يثبت هذا في نص يعول عليه.
(٣) يقول شيخ الاسلام: الجهمية ثلاث درجات: فشرها الغالية الذين ينفون أسماء الله وصفاته. وإن سموه بشئ من أسمائه الحسنى، قالوا: هو مجاز. فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي، ولا عالم، ولا قادر، ولا سميع، ولا بصير، ولا متكلم، ولا يتكلم. والدرجة الثانية من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله تعالى في الجملة، لكن ينفون صفاته. وهم أيضا لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون. والدرجة الثالثة هم الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته، الخبرية وغير الخبرية، ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها.
والإمام أحمد ينعت اللفظية بالتجهم، أي الذين يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوق. قال ابن جرير: وسمعت جماعة من أصحابنا، لا أحفظ أسماءهم، يحكون عن أحمد أنه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات، ويقول: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا. انظر " تاريخ الجهمية " ص:
53 وما بعدها للقاسمي.
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»