نزلت، ذهبت إلى ابن القاسم أسائله من الكتب، وأقرأ عليه إلى قرب الرحيل، فقال لي ابن وهب وأشهب: لو كلمت صاحبك يفطر عندنا، فكلمته، فقال: إنه ليثقل علي ذلك، قلت: فبم يعلم القوم مكاني منك؟ فقال: إذا عزمت على ذلك، فأنا أفعل. فأتيت فأعلمتهما، فلما كان وقت التعريس قام معي، فأصبت أشهب وقد فرش أنطاعه، وأتى من الأطعمة بأمر عظيم، وصنع ابن وهب دون ذلك، فلما أتى عبد الرحمن، سلم، وقعد، ثم أدار عينه في الطعام، فإذا سكرجة (1) فيها دقة (2)، فأخذها بيده، فحرك الابزار حتى صارت ناحية، ولعق من الملح ثلاث لعقات، وهو يعلم أن أصل ملح مصر طيب، ثم قام، وقال: بارك الله لكم، واستحييت أن أقوم، قال: فتكلم أشهب، وعظم عليه ما فعل، قال له ابن وهب: دعه، دعه، وكنا نمشي بالنهار، ونلقي المسائل، فإذا كان في الليل، قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة. فيقول ابن وهب لأصحابه:
ما ترون إلى هذا المغربي، يلقي المسائل بالنهار، وهو لا يدرس بالليل؟
فيقول له ابن القاسم: هو نور يجعله الله في القلوب.
قال: ونزلنا بمسجد ببعض مدائن الحجاز، فنمنا، فانتبه ابن القاسم مذعورا، فقال لي: يا أبا سعيد، رأيت الساعة كأن رجلا دخل علينا من باب هذا المسجد، ومعه طبق مغطى وفيه رأس خنزير. أسأل الله خيرها. فما لبثنا حتى أقبل رجل معه طبق مغطى بمنديل، وفيه رطب من تمر تلك القرية، فجعله بين يدي ابن القاسم، وقال: كل،