سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٢٦٣
جعفر بمنى، فقلت له: اتق الله، فإنما أنزلت في هذه المنزلة، وصرت في هذا الموضع، بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا. حج عمر فما أنفق إلا خمسة عشر دينارا، وكان ينزل تحت الشجر. فقال: أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا، ولكن دون ما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه. قال:
اخرج (1).
قال عصام بن يزيد: لما أراد سفيان أن يوجهني إلى المهدي، قلت له:
إني غلام جبلي، لعلي أسقط بشئ، فأفضحك. قال: يا ناعس! ترى هؤلاء الذين (2) يجيؤوني؟ لو قلت لأحدهم، لظن أني قد أسديت إليه معروفا، و [لكن] قد رضيت بك، قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تعلم. قال: فلما رجعت، قلت: لأي شئ تهرب منه، وهو يقول: لوجاء، لخرجت معه إلى السوق فأمرنا ونهينا؟ فقال: يا ناعس! حتى يعمل بما يعلم، فإذا فعل، لم يسعنا إلا أن نذهب، فنعلمه ما لا يعلم. قال عصام: فكتب معي سفيان إلى المهدي، وإلى وزيره أبي عبيد الله، قال: وأدخلت عليه، فجرى كلامي، فقال: لو جاءنا أبو عبد الله، لوضعنا أيدينا في يده، وارتدينا بردا، واتزرنا بآخر، وخرجنا إلى السوق، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، فإذا توارى عنا مثل أبي عبد الله، لقد جاءني قراؤكم الذين هم قراؤكم، فأمروني ونهوني ووعظوني، وبكوا - والله - لي، وتباكيت لهم، ثم لم يفجأني من أحدهم [إلا] أن أخرج من كمه رقعة: أن افعل بي كذا، وافعل بي كذا، ففعلت، ومقتهم.
قال: وإنما كتب إليه، لأنه طال مهربه، أن يعطيه الأمان، فأتيته (3)، فقدمت

(1) روى الفريابي هذه الحادثة، على أن سفيان قد قالها للمهدي. انظر الصفحة: 257.
وانظر خبر الصفحة: 274.
(2) في الأصل: " الذي " وما أثبتناه عن " الحلية ".
(3) في " الحلية ": " فأمنه ".
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»