سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٧٠
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر (1) وقرأت في كتاب: أن المنصور لم يزل يخدع أبا مسلم ويتحيل عليه حتى وقع في براثنه بعهود وأيمان.
وكان أبو مسلم ينظر في الملاحم. ويجد أنه مميت دولة، ومحيي دولة، ثم يقتل ببلد الروم. وكان المنصور يومئذ برومية المدائن، وهي معدودة من مدائن كسرى بينها وبين بغداد سبعة فراسخ، قيل: بناها الإسكندر لما أقام بالمدائن. فلم يخطر ببال أبي مسلم أن بها مصرعه، وذهب وهمه إلى الروم.
وقيل: إن المنصور كان يقول: فعلت وفعلت، فقال أبو مسلم: ما يقال لي هذا بعد بيعتي واجتهادي، قال: يا ابن الخبيثة! إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا، ولو كان مكانك أمة سوداء، لعملت عملك، وتفعل كذا، وتخطب عمتي، وتدعي أنك عباسي، لقد ارتقيت مرتقى صعبا.
فأخذ يفرك يده ويقبلها، ويخضع، وأبو جعفر يتنمر.
وعن مسرور الخادم قال: لما رد أبو مسلم، أمره أبو جعفر أن يركب في خواص أصحابه، فركب في أربعة آلاف غلام، جرد، مرد، عليهم أقبية الديباج والسيوف بمناطق الذهب، فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه، وكان

(1) البيت في " المؤتلف والمختلف " ص 128 لمعقر بن حمار البارقي وقبله:
تهيبك الاسفار من خشية الردى * وكم قد رأينا من رد لا يسافر " ونقل في اللسان، عن ابن بري أنه لعبد ربه السلمي ويقال: لسليم بن ثمامة الحنفي، وكان هذا الشاعر سير امرأته من اليمامة إلى الكوفة. وأول الشعر:
تذكرت من أم الحويرث بعد ما * مضت حجج عشر، وذو الشوق ذاكر وقوله:
فألقت عصاها واستقر بها النوى.
يضرب هذا مثلا لكل من وافقه، شئ فأقام عليه. "
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»