سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٣٦٩
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني عبد الله بن محمد البلخي، سمعت مكي بن إبراهيم يقول: كنا عند عبد الله بن عون فذكروا بلال بن أبي بردة، فجعلوا يلعنونه، ويقعون فيه يعني - لجوره وظلمه - قال: وابن عون ساكت فقالوا له: إنما نذكره لما ارتكب منك. فقال: إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة: لا إله إلا الله، ولعن الله فلانا.
قال أبو بكر: وحدثنا محمد بن إدريس، حدثنا عبدة بن سليمان، عن ابن المبارك قال: قيل لابن عون: ألا تتكلم فتؤجر؟ فقال: أما يرضى المتكلم بالكفاف؟! روى مسعر عن ابن عون قال: ذكر الناس داء، وذكر الله دواء.
قلت: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟!
قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم) [البقرة: 153] (ولذكر الله أكبر) [العنكبوت 46]، وقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد: 29]. ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله. ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له.
وقد كان ابن عون قد أوتي حلما وعلما، ونفسه زكية تعين على التقوى، فطوبى له.
قال بكار بن محمد السيريني: كان ابن عون إذا حدث بالحديث يخشع عنده، حتى نرحمه مخافة أن يزيد أو ينقص.
وكان لا يدع أحدا من أصحاب الحديث ولا غيرهم يتبعه. وما رأيته يماري أحدا، ولا يمازحه، ما رأيت أملك للسانه منه، ولا رأيته دخل حماما قط، وكان له وكيل نصراني يجبي غلته، وكان لا يزيد في شهر رمضان على حضوره المكتوبة، ثم يخلو في بيته. وقد سعت به المعتزلة إلى إبراهيم بن عبد الله، سير 6 / 24
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»