سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٢٦٦
مثل رجل بينه وبين رجل جرم، فهو يتعلق به، ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك، ذاك الجرم.
ومن بليغ قول جعفر، وذكر له بخل المنصور فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما بذل لأجله دينه.
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا محمد بن عبدا لباقي الأنصاري، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني، حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب، حدثنا عيسى بن أبي حرب الصفار، عن الفضل بن الربيع، عن أبيه، قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفر ابن محمد يلحد في سلطاني قتلني الله إن لم أقتله. فأتيته، فقلت: أجب أمير المؤمنين. فتطهر ولبس ثيابا. أحسبه قال جددا فأقبلت به فاستأذنت له، فقال:
أدخله، قتلني الله إن لم أقتله. فلما نظر إليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال:
مرحبا بالنقي الساحة، البرئ من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي. فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه، وسأله عن حاله، ثم قال: سلني عن حاجتك فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به. قال: أفعل. ثم قال:
يا جارية ائتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف.
فاتبعته، فقلت: يا ابن رسول الله; أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشئ عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، واحفظني بقدرتك علي، ولا تهلكني. وأنت رجائي. رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري؟! فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني. ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، وياذا النعم التي لا تحصى أبدا، وياذا المعروف
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»