بزيارة بيته على طهارة. قال: فلم كره (1) الصوم أيام التشريق؟ قال: لانهم في ضيافة الله. ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه. قلت: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهى خرق لا تنفع شيئا؟ قال: ذاك
(1) أي: حرم، لما ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، من النهي عن صوم أيام التشريق. والسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت به في كلام الله ورسوله. قال تعالى: (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) [الاسراء: 38]، وفي الحديث الصحيح " إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ".
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شئ: هذا حلال وهذا حرام. وما كانوا يجترئون على ذلك. وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنا. فينبغي هذا، ولا نرى هذا وزاد عتيق بن يعقوب - على هذا - " ولا يقولون: حلال ولا حرام. أما سمعت قول الله تعالى:
(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل: الله أذن لكم، أم على الله تفترون؟!). الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.
وقال الخرقي - فيما نقله عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل -: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة، ومذهبه لا يجوز. وقد نص محمد بن الحسن، أن كل مكروه فهو حرام.
وقال أبو حنيفة، وصاحباه: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان، الذهب والحرير. وقد نص الأصحاب أنه حرام وقد قال مالك - في كثير من أجوبته -: أكره هذا، وهو حرام أما المتأخرون، فقد اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله، ثم حمل، من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك. وأقبح منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله، على المعنى الاصطلاحي الحادث. وتأمل ما يلي: قال تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) و (وما علمناه الشعر، وما ينبغي له) و (وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم). وقوله تعالى - على لسان رسوله: " كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم، وما ينبغي له " وقوله، صلى الله عليه وسلم،: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له " وقوله - في لباس الحرير: " لا ينبغي هذا للمتقين ".
وانظر: إعلام الموقعين 1 / 39.