سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٥ - الصفحة ٣٤
قلت: ما تركوا عكرمة - مع علمه - وشيعوا كثيرا إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له رضي الله عنه.
وروى يحيى بن بكير، عن الدراوردي قال: مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فما شهدهما إلا سودان المدينة.
وقال نوح بن حبيب: ماتا في يوم، فقال الناس: مات فقيه الناس، وشاعر الناس.
البخاري وغيره، عن علي بن المديني قال: مات عكرمة بالمدينة سنة أربع ومئة، رواها يعقوب الفسوي عن علي فزاد، قال: فما حمله أحد، اكتروا له أربعة.
وقال علي بن عبد الله التميمي، ومصعب بن عبد الله، وابن نمير، والفلاس، وأبو عبيد، وشباب، وابن يونس، مات سنة خمس ومئة. وكذا نقل أبو الحسن بن البراء عن ابن المديني. قال التميمي وابن يونس: وهو ابن ثمانين سنة.
وقال الواقدي: حدثتني بنته أم داود أنه توفي سنة خمس ومئة.
وقال الهيثم بن عدي وأبو عمر الضرير: مات سنة ست ومئة، والأصح سنة خمس.
وقال أبو معشر السندي، وأبو نعيم، وابن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وهارون بن حاتم، وقعنب بن المحرر: مات سنة سبع ومئة، وقيل غير ذلك.
خرج له مسلم مقرونا بطاووس في الحج، فالذين أهدروه كبار، والذين احتجوا به كبار (1) والله أعلم بالصواب.

(١) قال أبو جعفر بن جرير الطبري: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه، ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الانسان، ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته، لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب علي وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب.
وقال ابن مندة في " صحيحه ": وأما حال عكرمة في نفسه، فقد عدله أمة من نبلاء التابعين، فمن بعدهم، وحدثوا عنه، واحتجوا بمقاريده في الصفات والسنن والاحكام، روى عنه زهاء ثلاث مئة رجل من البلدان منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول، ويحتج به قرنا بعد قرن، وإماما بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا ثابته من سقيمه، وخطأه من صوابه، وأخرجوا روايته، وهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه، واحتجوا به على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه، وقد أخرج عنه مقرونا وعدله بعدما جرحه.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»