سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٩٦
فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته، رأيته قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت.
قال أبو عمرو بن العلاء: توفي الأحنف في دار عبيد الله بن أبي غضنفر، فلما دلي في حفرته، أقبلت بنت لأوس السعدي وهي على راحلتها عجوز، فوقفت عليه، وقالت: من الموافى به حفرته لوقت حمامه؟ قيل لها:
الأحنف بن قيس. قالت: والله لئن كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته. ثم قالت: لله درك من مجن في جنن، ومدرج في كفن، وإنا لله وإنا إليه راجعون: نسأل من ابتلانا بموتك، وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك، وأن يغفر لك يوم حشرك. أيها الناس، إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده، وإنا لقائلون حقا، ومثنون صدقا، وهو أهل لحسن الثناء، أما والذي كنت من أجله في عدة، ومن الحياة في مدة، ومن المضمار إلى غاية، ومن الآثار إلى نهاية، الذي رفع عملك عند انقضاء أجلك، لقد عشت مودودا حميدا، ومت سعيدا فقيدا، ولقد كنت عظيم الحلم، فاضل السلم، رفيع العماد، واري الزناد، منيع الحريم، سليم الأديم، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد (1).
قال قرة بن خالد: حدثنا أبو الضحاك أنه أبصر مصعبا يمشي في جنازة الأحنف بغير رداء.
قال الفسوي: مات الأحنف سنة سبع وستين. وقال غيره: توفي سنة إحدى وسبعين. وقال جماعة: مات في إمرة مصعب بن الزبير على العراق رحمه الله.

(1) الخبر في تاريخ ابن عساكر 8 / 225 آ، وزاد فيه: ".. ولقد كنت في المحافل شريفا وعلى الأرامل عطوفا، ومن الناس قريبا، وفيهم غريبا، وإن كنت فيهم مسودا وإلى الخلفاء لموفدا، وإن كانوا لقولك لمستمعين، ولرأيك لمتبعين، رحمنا الله وإياك " اه‍.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»