سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٥٩
وكان من رجال قريش رأيا، ودهاء، وحزما، وكفاءة، وبصرا بالحروب، ومن أشراف ملوك العرب، ومن أعيان المهاجرين، والله يغفر له ويعفو عنه، ولولا حبه للدنيا ودخوله في أمور، لصلح للخلافة، فإن له سابقة ليست لمعاوية. وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر، لبصره بالأمور ودهائه.
ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب، عن حبيب بن أوس، قال: حدثني عمرو بن العاص قال: لما انصرفنا من الخندق، جمعت رجالا من قريش، فقلت: والله إن أمر محمد يعلو علوا منكرا، والله ما يقوم له شئ، وقد رأيت رأيا، قالوا: وما هو؟ قلت: أن نلحق بالنجاشي على حاميتنا، فإن ظفر قومنا، فنحن من قد عرفوا، نرجع إليهم، وإن يظهر محمد، فنكون تحت يدي النجاشي أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد. قالوا: أصبت. قلت: فابتاعوا له هدايا، وكان من أعجب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم، فجمعنا له أدما كثيرا، وقدمنا عليه، فوافقنا عنده عمرو بن أمية الضمري، قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في أمر جعفر وأصحابه، فلما رأيته، قلت: لعلي أقتله. وأدخلت الهدايا، فقال: مرحبا وأهلا بصديقي، وعجب بالهدية. فقلت: أيها الملك! إني رأيت رسول محمد عندك، وهو رجل قد وترنا، وقتل أشرافنا، فأعطنيه أضرب عنقه، فغضب، وضرب أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض دخلت فيها، وقلت: لو ظننت أنك تكره هذا لم أسألكه. فقال: سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس (1) الذي؟؟ يأتي موسى الأكبر تقتله؟!
فقلت: وإن ذاك لكذلك؟ قال: نعم. والله إني لك ناصح فاتبعه، فوالله

(1) الناموس: جبريل عليه السلام، وكذا؟؟ أهل الكتاب. وفي حديث ورقة لخديجة رضي الله عنها: إن كان ما تقولين حقا، فإنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى عليه السلام.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»