قلت: قد كان يضرب بشجاعته المثل وعن المنذر بن جهم (1) قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس! علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا، فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه ورب هذه البنية. لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم.
قال: فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد (2).
وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب، حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال، إذ وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه، فصرعته، وهو يتمثل:
أسماء يا أسماء لا تبكيني * لم يبق إلا حسبي وديني وصارم لاثت به يميني (3).
قلت: ما إخال أولئك العسكر إلا لو شاؤوا، لا تلفوه (4) بسهامهم، ولكن حرصوا على أن يمسكوه عنوة، فما تهيأ لهم، فليته كف عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجأ إلى البيت، ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج