سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٢٦٤
الشام، وأقبل معاوية حتى نزل جسر منبج، فبينا الحسن بالمدائن، إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل، فشد الناس على حجرة الحسن، فنهبوها حتى انتهبت بسطه، وأخذوا رداءه، وطعنه رجل من بني أسد في ظهره بخنجر مسموم في أليته، فتحول، ونزل قصر كسرى الأبيض وقال: عليكم لعنة الله من أهل قرية، قد علمت أن لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا. ثم كاتب معاوية في الصلح على أن يسلم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده ويتحمل منه هو وآله، ولا يسب علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج فسا ودرابجرد كل سنة إلى المدينة، فأجابه معاوية، وأعطاه ما سأل (1).
ويقال: بل أرسل عبد الله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذله ما سأل، فكتب إليه الحسن: أن أقبل، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام، فسلم إليه الحسن الامر، وبايعه حتى قدماء الكوفة. ووفى معاوية للحسن بيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها الحسن، وتجهز هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع. وأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم.
وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين (2).
وأخبرنا عبد الله بن بكر، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمر بن دينار، أن معاوية كان يعلم أن الحسن أكره الناس للفتنة، فلما توفي علي بعث إلى الحسن، فأصلح ما بينه وبينه سرا، وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه، وليجعلن الامر إليه، فلما توثق منه الحسن قال ابن جعفر: والله إني لجالس عند الحسن، إذ أخذت لاقوم،

(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222، 223.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 224.
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»