تهذيب الكمال - المزي - ج ١ - الصفحة ١٧١
السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن وضعا، وأكثر فقها، وكتاب أبي عيسى أيضا كتاب حسن، والله تعالى يغفر لجماعتهم، ويحسن على جميل النية فيما سعوا له مثوبتهم برحمته.
ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم.
فالصحيح عندهم: ما اتصل سنده وعدلت نقلته.
والحسن منه: ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.
وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث.
فأما السقيم منه، فعلى طبقات شرها الموضوع، ثم المقلوب (1)، ثم المجهول. وكتاب أبي داود خلي منها، برئ من جملة وجوهها، وإن وقع فيه شئ من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره، فإنه لا يألو أن يبين أمره، ويذكر علته، ويخرج من عهدته.
قال: ويحكى لنا عن أبي داود أنه قال: ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه.
قال: وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوهما، فتجمع تلك الكتب إني ما فيها من السنن والاحكام أخبارا وقصصا ومواعظ وآدابا (2). فأما السنن المحضة فلم

(١) المقلوب نوعان، الأول: أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل في مكانه آخر في طبقته، والثاني: أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس. (انظر التفاصيل في تدريب الراوي: ١٩١ فما بعد).
(٢) تضم كتب " الجوامع " جميع أبواب الحديث المعروفة وهي: العقائد، والاحكام، والرقائق، وآداب الطعام والشراب، والتفسير والتاريخ والسير، والشمائل، والفتن، والمناقب: أما المسانيد جمع مسند فهي تضم جميع أبواب الحديث أيضا لكنها مرتبة على أسماء الصحابة، لذلك قال الخطابي هذه المقالة.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»