تهذيب الكمال - المزي - ج ١ - الصفحة ١٧٠
الصغاني يقول: ألين لابي داود الحديث كما ألين داود الحديد.
وقال أبو سليمان الخطابي: سمعت ابن الأعرابي يقول ونحن نسمع منه هذا الكتاب يعني كتاب السنن وأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله عز وجل، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شئ من العلم بتة. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، لان الله تعالى أنزل كتابه تبيانا لكل شئ، وقال: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (1)، فأخبر سبحانه وتعالى وبحمده أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب. إلا أن البيان على ضربين: بيان جلي، تناوله الذكر نصا، وبيان خفي اشتمل على معنى التلاوة ضمنا، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معنى قوله سبحانه وتعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) * (2). فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان. وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم، وأمهات السنن، وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه، ولا متأخرا، لحقه فيه.
قال أبو سليمان: واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لابي داود كتاب شريف لم يصنف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء.
على اختلاف مذاهبهم، ولكل فيه ورد، ومنه مشرب، وعلى معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الأرض فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل، ومسلم ابن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في

(1) سورة الأنعام: الآية: 38.
(2) سورة النحل، الآية: 44.
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»