الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي - ابن النجار البغدادي - الصفحة ٦١
ثم قال أخبرنا القاضي أبو عبد الله الصيمري إلى أبى عبد الله قال أنشدني أبو عبد الله محمد بن زيد الوسطى لمحمد بن المعدل:
إن كنت كاذبة التي حدثتني * فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر المائلين إلى القياس تعمدا * والراغبين عن التمسك بالأثر أما من هجا فقد هجا مثله خيرا من أبي حنيفة ولم يصر ذلك حجة. وهذا قال عن أبي حنيفة رحمه الله ما ليس من مذهبه، وقد تقدم القول في مذهب أبي حنيفة وأخذه بالأحاديث ما وجد حتى أنه إذا جاءه الحديث الواحد خلاف القياس يعمل به في الواقعة وحدها ولا يترك أحد الحديثين. مثاله: إن الله تعالى فرض الصلاة في أوقات مخصوصة ففرض لكل وقت صلاة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر مع العصر بعرفة في وقت الظهر، والمغرب مع العشاء بالمزدلفة في وقت العشاء. فعمل بذلك أبو حنيفة في يوم عرفة خاصة، ولم يقسه على باقي الصلوات، ولا قاس باقي الصلوات عليه. وهذا إذا كان المصلى مع الإمام، وأما إذا صلى وحده صلاها كسائر الصلوات في أوقاتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك بالجماعة ولم يثبت أنه صلاها وحده على ما ذكرت فمن يكون نظره في الجمع بين الأحاديث كذا كيف يقدح فيه بقول من لا يعرف الفقه ولا العربية ولا يفرق بين الأحاديث.
ثم قال أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري والحسن بن أبي بكر ومحمد بن عمر النرسي إلى أبى عوانة. قال سمعت أبا حنيفة وسئل عن الأشربة، قال: فما سئل عن شئ منها إلا قال هو حلال، حتى سئل عن السكر - أو السكر شك أبو جعفر - فقال: حلال. قال قلت يا هؤلاء إنها زلة عالم لا تأخذوا عنه. أما مذهب أبي حنيفة رحمه الله في الأشربة فمعروف، ولو لم يشك أبو جعفر لرددت الجواب. وإنما الشاك لا يصدق لأن كذبه من نفسه إذا قال شككت فقد عرف أن قوله ليس بحجة فهو شك فيما نقله عن أبي حنيفة، ولم يشك في علم أبي حنيفة فكيف استحل الخطيب أن يجعل ما شك فيه ثبتا ينفى به ما جعله يقينا.
فأما السكر فحرام على مذهب أبي حنيفة، والسكر حلال إذا طبخ أدنى طبخ لقول الله تعالى: (يتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) وليس قول من قال خلاف أبي حنيفة بحجة لأنه قد نقل عن بعض الناس أنه قال الكلام محمول على أنك تقول تتخذون منه سكرا وتتخذون رزقا حسنا. وليس هذا حجة لأن الصحابة رضى الله
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»