الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي - ابن النجار البغدادي - الصفحة ٧٢
النظافة، والوضوء الشرعي هو غسل أعضاء معينة، فلما ورد الأمران احتجنا إلى أن نعرف تأويل الخبر فقلنا لما أمر بالوضوء تارة وبتركه أخرى قلنا إن أمره بالوضوء محمول على قوله صلى الله عليه وسلم: (فتوضئوا مما مسته النار فتوضئوا ولو من تور أقط) وهذا للنظافة. وقد أجمعنا على أنه لا يجب من هذا إلا النظافة وحملنا قوله هل هو إلا بضعة منك على الوجوب فلم يوجب وضوءا.
واعلم أيدك الله أن الخلاف نشأ بين الأئمة من ثمانية أوجه، وهي الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والأفراد والتركيب، والاجتهاد فيما لا نص فيه إلى ما فيه نص، واشتراك الألفاظ مع اختلاف المعنى واختلاف الألفاظ مع اشتراك المعنى، والتأويل، والنقلة والرواة.
فأما النقلة والرواة فقد انقطع أمرهم عنا لأنا لا نعرفهم إلا بالنقل، ولعل الناقل لا يعرف حاله على الوجه أيضا. فمن لا يعرف هذا كله لا يحل له الكلام إلا فيما ينقله عن الأئمة لأن الله تعالى يقول (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فبين أن بعضنا إذا قام بالعلم جاز لنا أن نأخذ عنه أمر ديننا. وأجمع أهل عصر أبي حنيفة على أنه لم يكن مثله في علم التأويل، والفقهاء إلى يومنا هذا مسلمون أن القياس مع أبي حنيفة وقد أجمعنا أن الأئمة لم يأخذوا إلا من كتاب الله وسنة رسوله، فإذا قد سلموا الفقه لأبي حنيفة وسلموا أنه مشاركهم في الكتاب والسنة فوجب على العامة الأخذ بقول أبي حنيفة دون غيره.
هذا إذ لو كان الخطيب لما ذكر الإسناد بين الخبر الذي أسنده وما المسألة التي سألها هارون وطعن الخطيب هذا ليس على أبي حنيفة وحده لأن الأئمة الأربعة على مذهب واحد في أنهم إذا سألوا عن مسألة لم يرووها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم يذكرون المسألة ويعلم السامع أنهم لم يأخذونها إلا من الكتاب والسنة. وكأن الخطيب أراد التشنيع في الظاهر على أبي حنيفة ومراده الجميع.
وروى عن القاضي أبى بكر الحرشي إلى عفان قال سمعت أبا عوانة يقول:
اختلفت إلى أبي حنيفة حتى مهرت في كلامه ثم خرجت حاجا فلما قدمت أتيت مجلسه فجعل أصحابه يسألوني عن مسائل كنت عرفتها وخالفوني فيها، فقلت سمعت من أبي حنيفة على ما قلت، فلما خرج سألته عنها فإذا هو قد رجع عنها
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»