فخاف أن يكون بعدما قال " إنك لغوي مبين " أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده وإنما أراد الفرعوني فخاف الإسرائيلي فحاجر الفرعوني فقال " يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس " وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا وانطلق الفرعوني إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول " أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس " (1) فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى وهم يخافون أن يفوتهم وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر وذلك من الفتون يا ابن جبير فخرج موسى متوجها نحو مدين لم يلق بلاء مثل ذلك وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه قال " عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان " (2) جالستان يعني بذلك حابستين غنمهما فقال لهما " ما خطبكما " معتزلتين لا تسقيان مع الناس قالتا ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما ننتظر فضول حياضهم فسقى لهما فجعل يغترف في الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاء فراغا فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما فانصرف موسى فاستظل بشجرة وقال " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " (3) فاستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا (4) بطانا فقال إن لكما اليوم لشأنا فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه له فأتت موسى (5) فدعته فلما كلمه قال " لا تخف نجوت من القوم الظالمين " (6) لا لفرعون ولا لقومه علينا سلطان (7) ولسنا في شئ من مملكته قال فقالت إحداهما " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " (8) فاحتملته الغيرة على أن قال وما يدريك ما قوته وما أمانته قالت أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين يسقي لنا لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه وأما أمانته فإنه نظر حين أقبلت إليه وقد شخصت له فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه ولم ينظر إلي حتى بلغت رسالتك ثم قال امش خلفي وانعتي لي الطريق فلم يفعل هذا إلا وهو أمين فسرى عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت فقال
(٨٥)