وحكم الفرية عدل من قوله وحكمة فهذه منزلة الشيخين من الإسلام والدين ولعل شبهة تدخل قلب جاهل في تخلف علي عن بيعة أبي بكر حداثة وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويزعم أنه إنما بايع بعد تلك المدة لتقية أتقاها بعد وفاة فاطمة ومعاذ الله أن يكون ذلك ولكنه رأي رآه واختيار خولف فيه فصار إلى صوابه وهذا القائل الذي نسبه إلى التقية لو علم أنه بهذا الذكر منتقص لعلي من حيث يرى أنه ذاكر محاسنه أنه قد تنقصه ومن أجل ذلك قالت الحكماء والعلماء إن الجاهل قد يرى أنه يمدحك (1) فيهجوك ويريد أن يرفعك فيضعك وهذه منزلة هذا القائل ثم كيف كان من علي ثقته وهو يوم تخلفه عن بيعة أبي بكر كان مشغولا بتمريض فاطمة إذ المدة لم تطل بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فمن قائل ثلاثة أشهر والمكثر يقول عشرة أشهر وهما جميعا محكمان (2) في خبر ولو كان قعود علي عن البيعة لأظهر ذلك في بني هاشم وبني أمية وسيوفها في أغمادها والعدد فيهم والأكثر معهم والمسلمون لأنهم المقدمون المؤثرون عند الأمة بقرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومكانهم من مخرج النبوة ومنزلتهم الرفيعة من الرسالة فلو كان منكرا لبيعة أبي بكر في تلك المدة لكان ينقطع العذر في قعوده إن كان كما وصفنا وسيوف بني أمية معه أتباع لأبي سفيان ولخالد (3) بن سعيد فقول القائل في علي أنه كان على الاتقاء إنما هو تنقص له وتكذيب بقوله على المنبر ولوصفه (4) إياهما ولم يكن بعلي خور ولا جبن ولا ضعف قلب يومئذ لو علم أن إنكاره هو الصواب لقام بإنكاره وكيف يكون متقيا أو جبانا عن إقامة الحق وهو يومئذ كما وصفناه في شدة قلبه وقوته ببني هاشم وبني أمية وهما السر المحض من بني عبد مناف فكيف يتوهم على علي الجبن والتقية وهو لم يجبن ولم يتق سيوف أهل الشام نحو سبعين ألف مسلولة مع معاوية يظهر أنه يطلب الثأر بدم عثمان وأن ولد عثمان كانوا صغارا فلم يجبن عنها حين قام بالأنبار على معاوية ولم ير تألفه يومئذ إلى أن يستوسق له الشأن ويسبق له الأمر لا سيما وقد وافق يومئذ من مسير طلحة والزبير ويعلى بن منية (5) وقد قدموا عائشة يمضون بها (6) إلى البصرة واجتماع أهل البصرة معهم فلم يفظع علي لذلك ولا
(٣٦٩)