تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٤٢ - الصفحة ٤٩٩
الرحمة فمن ذا الذي يذمها وقد أدنت ببينها ونادت بانقطاعها ونعت نفسها وأهلها فيا أيها الذام للدنيا المعتل بغرورها متى استذمت إليك الدنيا ومتى غرتك أبمنازل ابائك من الثرى أو بمضاجع أمهاتك من البلى كم مرضت بكفيك وعالجت بيدك (1) تبتغي له الشفاء وتستوصف له الأطباء لم تسعف له بطلبتك مثلت له الدنيا بعينها (2) وبمصرعه مصرعك غدا لا يغني بكاؤك ولا ينفعك أحباؤك ثم انصرف إلى القبور فقال يا أهل القبور يا أهل الضيق والوحدة يا أهل الغربة والوحشة أما الدور فقد سكنت وأما الأموال فقد قسمت وأما الأزواج فقد نكحت فهذا خير ما عندنا فما عندكم ثم التفت إلى أصحابه فقال إنا على ذلك فلو أذن لهم في الجواب لأجابوا إن خير الزاد التقوى أخبرنا أبو منصور بن خيرون أنا أبو بكر الخطيب (3) حدثني الحسن بن أبي طالب نا يوسف بن عمر القواس قال قرئ على أحمد بن إسحاق بن بهلول وأنا أسمع قيل له حدثكم محمد بن عبد الله البصري بمكة نا الحسن بن أبان أبو محمد البغدادي نا يسير (4) بن زاذان نا جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه قال كان علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة فسمع رجلا يشتم الدنيا ويفحش في شتمها فقال له علي اجلس فجلس فقال له ما لي أسمعك تشتم الدنيا وتفحش في شتمها أو ليس هو الليل والنهار والشمس والقمر سامعين مطيعين فأنشأ علي يقول إن الدنيا لمنزل صدق لمن صدقها ودار بلاء (5) لمن فهم عنها وعافية لمن تزود منها منزل أحباء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه اكتسبوا الجنة وربحوا فيها المغفرة فذمها أقوام غداة الندامة وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا وحدثتهم فصدقوا فمن ذا يذمها وقد أذنت ببينها ونادت بانقطاعها راحت بفجيعة وابتكرت (6) بعاقبة تخويف (7)

(١) كذا بالأصل والأشبه: (بيديك) كما يقتضي السياق.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / 287 في ترجمة أبي محمد الحسن بن أبان البغدادي.
(4) تاريخ بغداد: بشير بن زاذان.
(5) الزيادة عن تاريخ بغداد.
(6) كذا رسمها بالأصل والمطبوعة وفي تاريخ بغداد: وأسكرت بعاقبة.
(7) في المطبوعة: (وابتكرت بعافية وتخويفا وترهيبا). والمثبت يوافق عبارة تاريخ بغداد.
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»