وكثرة تعبه في طلبها وما يكابد من أسقامها وأوصابها (1) وآلامها وما قد نرى في كل يوم وليلة * يروح علينا صرفها ويباكر تعاورنا آفاتها وهمومها * وكم قد ترى يبقى لها المتعاور فلا هو مغبوط بدنياه آمن * ولا هو عن بطلانها النفس قاصر * كم قد (2) غرت الدنيا من مخلد إليها وصرعت من مكب عليها فلم تنعشه من غرته ولم تقمه من صرعته ولم تشفه من ألمه ولم تبره من سقمه بلى أوردته بعد عز ومنعة * موارد سوء ما لهن مصادر فلما رأى أن لا نجاة وأنه * هو الموت لا ينجيه منه التحاذر تندم إذ لم تغن عنه ندامة * عليه وأبكته الذنوب الكبائر * بكى على ما سلف من خطاياه وتحسر على ما خلف من دنياه حين لا ينفعه الاستعبار ولا ينجيه الاعتذار عند هول المنية ونزول البلية أحاطت به أحزانه وهمومه * وأبلس لما أعجزته المعاذر فليس له من كربة الموت فارج * وليس له مما يحاذر ناصر وقد جشأت خوف المنية نفسه * ترددها منه اللها والحناجر * هنالك خف عن عواده وأسلمه أهله وأولاده فارتفعت الرنة (3) بالعويل وأيسوا من برء العليل فغمضوا بأيديهم عينيه ومدوا عند خروج نفسه رجليه فكم موجع يبكي عليه ومفجع * ومستنجد صبرا وما هو صابر ومسترجع داع له الله مخلصا * يعدد منه خير ما هو ذاكر وكم شامت مستبشر بوفاته * وعما قليل كالذي صار صائر فشق جيوبها نساؤه ولطم خدودها إماؤه وأعول لفقده جيرانه وتوجع لرزئه إخوانه ثم أقبلوا على جهازه وشمروا لإبرازه وظل أحب القوم كان لقربه * يحث على تجهيزه ويبادر وشمر من قد أحضروه لغسله * ووجه لما قام للقبر حافر وكفن في ثوبين واجتمعت له * مشيعة إخوانه والعشائر *
(٤٠٦)