عليا الكاساني ندم على خروجه فقال لجماعة من أصحابه فكاتبوه إلى مكة ورغبوه في الرجوع إلى دمشق وذكروا له أن عليا يسلم المدرسة إليه وكانت الكتب على يدي فأوصلتها إليه بالمسجد الحرام سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فذكر لي أن عوده في ذلك العام متعذر فلما كان بعد ذلك مضى إليه الفقيه سعيد بن علي بن عبد الله البوزكندي وحمله إلى بغداد وتوجه به إلى دمشق فقدمها وتسلم المدرسة واشتغل بالتدريس والتذكير فحصل له أصحاب كثير ووجاهة عند الخاصة والعامة وكان صحيح الاعتقاد حسن السمت محبا لنشر العلم مراعيا للأصحاب سخي النفس وعقد مجلس الإملاء وكان يحضره جمع كثير وكانت كتبه بخراسان فوجه من جاءه بها وجعله له دار طرخان مدرسة ودرس بمسجد الخاتون (1) وقفت عليه أوقاف وفتحت عليه فتوح لم يكن يدخر منها شيئا ولا يمسه ويتصرف (2) فيها من جعل قيما لذلك وكان قد تزوج بنت الشريف القاضي أبي الفضل إسماعيل بن إبراهيم فادعى أخوها (3) عدم الكفاءة فذكر أنه جعفري فأنشدني أبو القاسم بن الوأواء لأبيه أبي الفرج الوأواء فيه * قل لعلي أخي المكارم سبحان * إله على العلى وفقك * كم قد رأينا من مدع شرفا * وأنت في الخلق كاتم شرفك تستر فضلا تحوي كأنك * لا تعرفه ساعة وقد عرفك علم وحلم ونائل وحجى * يقارن العي كل من وصفك تجود بالقوت لليتيم وللمسكين * جودا تقفو به سلفك * ثم أنه ندب للخروج (4) إلى حلب ليفقه أهلها وينشر السنة بها فخرج وانتفع به هناك وأزال البدعة التي كانت في التأذن ثم عاد بعد ذلك إلى دمشق محمودا مشكورا وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فثقل مكانه على والي دمشق أبي (5) محمد بن بوري فتقدم بخروجه عنها فخرج إلى بصرى فأقام بها مدة فأكرم وإليها شرخط مقدمه وأحسن بره واحترمه ثم أعيد إلى دمشق وكان شديد الاحترام لمن ينتسب إلى العلم متألفا
(٣٤٠)