تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٣٠ - الصفحة ٤٣٩
منهاج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كنت خليفته حقا لم تنازع ولم تصد بزعم المنافقين وصغر الفاسقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين قمت بالأمر حين فشلوا ونطقت حين تقبضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا واتبعوك فهدوا وكنت أخفضهم صوتا وأعلاهم فوقا (1) وأطولهم صمتا وأصوبهم نطقا وأبلغهم كلاما وأكثرهم أناة وأشرحهم قلبا وأشدهم نفسا وأسدهم (2) عقلا وأعرفهم بالأمور كنت أولا حين تفرق عنه وآخرا حين فشلوا كنت للمؤمنين أبا رحيما صاروا عليك عيالا تحملت أثقال ما عنه ضعفوا وحفظت ما أضاعوا ورعيت ما أهملوا وعلوت إذ هلعوا (3) وصبرت إذ جزعوا فأدركت آثار ما طلبوا ونالوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذابا واصبا وللمسلمين غناء وحصنا فطرت بغنائها وذهبت (4) بفضائلها وأحرزت سوابقها لم تقلل حجتك ولم يزغ قلبك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف كنت كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آمن الناس في صحبتك وذات يدك عونا في أمر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله خليلا في الأرض كبيرا عند المؤمنين لم يكن لأحد فيك مطمع ولا لقائل مغمز ولا لأحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك شأنك الحق والرفق قولك حق وحتم وأمرك احتياط وحزم أقلعت وقد نهج (5) السبيل وسهل العسير وأطفئت النيران وقوي الإسلام فظهر أمر الله ولو كره المشركون سبقت والله سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالحق فوزا مبينا فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله قضاءه وسلمنا له أمره لن يصاب (6) المسلمون بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمثلك أبدا كنت للدين عزا وكهفا وللمسلمين حصنا وعلى المنافقين غيظا فالحمد لله لا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك

(1) الفوق موضع الوتر من السهم، استعاره وعنى أنك أكثرهم حظا ونصيبا من الدين.
(2) أسد: أصاب السداد، أو طلبه، والسداد: الاستقامة، والصواب من القول والعمل. (القاموس).
(3) عن م والكلمة غير واضحة بالأصل.
(4) عن م وبالأصل: ووهبت.
(5) عن م، واللفظة غير واضحة بالأصل. ونهج السبيل: وضح.
(6) عن م وبالأصل: أن تصاب.
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»