تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٣٠ - الصفحة ٤٤١
الكافرين وكره الحاسدين وصغر الفاسقين وغيظ الباغين وقمت بالأمر حين فشلوا ونطقت إذ تعففوا مضيت بالفوز إذ وقفوا واتبعوك فهدوا كنت أخفضهم صوتا وأعلاهم فوقا وأقلهم كلاما وأصوبهم منطقا وأطولهم صمتا وأصوبهم قولا وأكثرهم رأيا وأشجعهم نفسا وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملا كنت والله للذين تغشونا أولا حين نفر عنه الناس وآخرا حين أقبلوا كنت للمؤمنين أبا رحيما حين صاروا لك عليك فحملت أثقال ما ضعفوا ورعيت ما أهملوا وحفظت ما أضاعوا وعلمت ما جهلوا فشمرت إذ خفضوا وعلوت إذ خلعوا وصبرت حين جزعوا فأدركت أوتار ما طلبوا وراجعوا رشدهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكافرين عذابا صبا ولهبا وللمؤمنين رحمة وأنسا وحصنا فطرت والله بغنائها وفزت بخبائها وذهبت بفضائلها وأدركت سوابقها لم تقلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يزغ قلبك (1) كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيل العواصف كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آمن الناس عليه في صحبتك وذات يدك وكنت كما قال ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله جليلا في أعين المؤمنين كبيرا في أنفسهم لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع ولا لمخلوق عندك هوادة الضعيف الذليل قوي عزيز حتى تأخذ بحقه القوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق القريب والبعيد عندك في ذلك سواء أقرب الناس إليك أطوعهم لله عز وجل وأتقاهم له شأنك الحق والصدق والرفق قولك حكم وحتم (2) وأمرك حلم وحزم (3) ورأيك علم وعزم فأقلعت وقد نهج السبيل وسهل الطريق وأطفئت النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الإيمان وثبت بك الإسلام والمسلمون فظهر أمر الله ولو كره الكافرون فجليت عنهم فأبصروا فسبقت والله سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالخير فوزا مبينا فجللت عن البكاء وعظمت رتبتك في السماء وجلت مصيبتك في الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله بقضائه وسلمنا له أمره فوالله لن يصاب (4) المسلمون بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمثلك أبدا كنت للدين عزا

(1) بعدها بالأصل وم: ولم يحر، والمثبت يوافق الرواية السابقة.
(2) بالأصل: وخيم، والمثبت عن م.
(3) بالأصل وم: " وجزم " أثبتنا ما ورد في الرواية السابقة.
(4) في م: تصاب.
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»