قلت ما أفارقك قال إنك لا تستطيع أن تكون معي إني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد لا تقدر على الكينونة معي قال وأقبل علي أصحابه (1) فقالوا يا غلام إنك لا تستطيع أن تكون معه قلت ما أنا بمفارقك قال يا غلام فإني أعلمك الآن أني أدخل هذا الكهف ولا أخرج منه إلى الأحد الآخر فأنت أعلم قلت ما أنا بمفارقك قال له أصحابه يا أبا فلان هذا غلام ونخاف عليه قال قال (2) لي أنت أعلم قلت أني لا أفارقك فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي فقال خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر وخذ من هذا الماء ما تكتفي به ففعلت وتفرقوا وذهب كل إنسان إلى مكانه الذي يكون فيه وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل وانفتل وقال ضع ما معك وكل واشرب وقام يصلي فقمت خلفه أصلي قال وانفتل إلي فقال إنك لا تستطيع هذا ولكن صل ونم وكل واشرب ففعلت فما رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا ساجدا إلى الأحد الآخر فلما أصبحنا قال خذ جرتك هذه وانطلق فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال واجتمعوا إلى الصخرة ينتظرون خروجه فقعدوا وعاد في حديثه نحو المرة الأولى فقال الزموا هذا الدين ولا تفرقوا واتقوا الله واعلموا أن عيسى بن مريم كان عبد الله (3) أنعم الله عليه ثم ذكرني فقالوا يا أبا فلان كيف وجدت هذا الغلام فأثنى علي وقال خيرا فحمدوا الله وإذا خير (4) كثير وماء فأخذوا وجعل الرجل يأخذ قدر ما يكتفي به وفعلت وتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه فرجعت معه فلبثت ما شاء الله نخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه فيحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله ووعظهم وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال آخر ذلك يا هؤلاء إنه قد كبر سني ودق (5) عظمي واقترب أجلي وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد لي من إتيانه فاستوصوا بهذا لغلام خيرا فإني رأيته لا بأس به قال فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم وقالوا يا أبا
(٣٩٩)