فذكروا الكذب فذموه فقال شيخ منهم لربما نفع الكذب ونعم الشئ هو فاستعملوه فعجب القوم لقوله ونظروا إليه فقال سأخبركم بذلك أني كذبت كذبتين فسرقت بإحداهما واستغنيت بالأخرى كنت في الأمداد الذين وجهوا إلى مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم فالتقى المسلمون والعدو ذات يوم فوقفت مع الناس وراء مسلمة ورجل من المسلمين يقاتل العدو قتالا شديدا ويبلي بلاء حسنا فقال مسلمة من الرجل جزاه الله خيرا عن الإسلام فقلت من ورائه هذا جمال بن بشر الكلابي أصلح الله الأمير وسميت نفسي إن لم يحضر من يعرفني ولا يعرف الرجل فجعل مسلمة يقول جزاك الله يا جمال عن الإسلام خيرا فلما انصرف وكان العشي رأيت وجوه أصحابي يتهيأون للمصير إليه فتهيأت ثم ضرب الباب فزبرني الحاجب ومنعني فناديت بأعلى صوتي أنا جمال بن بشر الكلابي أصلح الله الأمير فقال مسلمة أدخلوه أدخلوه جزاك الله خيرا يا جمال عن الإسلام تدرون ما صنع هذا فأحسن الثناء (1) فما رأى ذلك أصحابي أطنبوا في الثناء علي وشايعوه على غير معرفة منهم فألحقني في شرف العطاء فسرقت بهذه ثم صرنا بعد ذلك إلى أمير المؤمنين فأوفد رجلين إلى خالد بن عبد الله القسري أنا أحدهما والآخر روح بن زنباع الجذامي فلما وصلنا إلى خالد قدم ابن عمه علي وفضله في المجلس واللقاء والجائزة وانصرفنا وقد كنت أخالط أقواما بالكوفة يعرفون بالتجارة فأبضعوا معي بضائع من مال وبرود وغير ذلك فأصابتنا السماء في الطريق فلما نزلت المنزل حللت ما كان معي فسررت الثياب وأخرجت المال فأخلط بعضها ببعض فنظر إلى روح فدخله من ذلك حسد عظيم فقال ما هذا يا أخا بني عامر قلت ما كنت أحب أن تعلم بهذا فألح علي في المسألة فقلت ابن عمك فضلني في الجائزة واستحياك فاستكتمني فتغيظ عليه وبسط لسانه فيه يسبه ويتنقصه ويشكوه عند وجوه قومه وجعلت أحسن الثناء عليه وأظهر الشكر له فكتب إليه بذلك فكتب إني والله ما فعلت ولقد فضلت روحا على العامري في جميع حالاته ولكن العامري رجع إلى شرف وكرم ورجع روح إلى لؤم وقد وجهت بألف دينار إلى العامري فأدخلوها إليه فاستغنيت بها فنعم الشئ الكذب انتهى قلت إن كان حفظ اسم روح في هذه الحكاية فهي كذبة ثالثة من جمال الكلابي
(٢٥٠)