يبتلى بهذا إلا من عصمة الله تعالى منه، على ما روى أنه لما سوى التراب على سعد بن معاذ رضي الله عنه تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" الله أكبر، الله أكبر، " فارتج البقيع بالتكبير. فقيل له في ذلك، فقال: " إنه ضغطه القبر ضغطة اختلفت منها أضلاعه، ثم فرج الله عنه. ولو نجا أحد من ضغطه القبر لنجا هذا العبد الصالح ". ولكن (1) في حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " تلك الضغطة للمؤمن بمنزلة الوالدة الشفيقة يشكو إليها ابنها البار بها الصداع، فتضع يدها على رأسه تغمزه، وهي للمنافق بمنزلة البيضة تحت الصخرة ".
ومعنى هذا الوعد في حق من مات مرابطا والله أعلم أنه في حياته كان يؤمن المسلمين بعمله فيجازى في قبره بالأمن مما يخاف منه.
أو لما اختار في حياته المقام في أرض الخوف والوحشة لاعزاز الدين يجازى بدفع الخوف والوحشية عنه في القبر، كما روى أن الصائمين (2) إذا خرجوا من قبورهم يوم القيامة يؤتون بالموائد يأكلون ويشربون والناس جياع عطاش في القيامة (3) لانهم اختاروا الجوع والعطش في الدنيا فجازاهم الله بإعطاء الموائد في الآخرة.
وقوله: وأجرى عليه عمله ونمى له عمله (4) فذلك في كتاب الله عز وجل قال الله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} (5). وقال عليه السلام: " من مات في طريق الحج كتب الله له حجة مبرورة في كل سنة ".
فهذا هو المراد أيضا في حق كل من مات مرابطا لأنه (6) يجعل بمنزلة المرابط إلى فناء الدنيا فيما يجرى له في الثواب.