العلل - أحمد بن حنبل - ج ١ - الصفحة ٣٦
مقصوده (إن صح عنه هذا القول) أنه تحصل له ملكة قوية راسخة حتى إنه بمجرد النظر في اسناد الحديث ومتنه تظهر له صحته أو ضعفه فيحكم في أول وهلة ببصيرته أنه صحيح أو معلول. ثم إذا طلبت منه الحجة لا بد وأن يذكر تفصيلها.
ولا يمكن أن نجد حديثا معللا إلا دونه سبب، لكن قد يختصر المعلل في الحكم فيذكر حكمه بدون إبداء السبب.
وقد استدل بقول ابن مهدي هذا بعض من له هوى في انكار الحديث فتوسع في تفسيره والاستدلال به فقال: إن المحدث قد يرى الحديث المتفق على صحته أنه ضعيف وبالعكس ولا يستطيع إقامة الحجة على ذلك وهو معذور في حكمه هذا كالصيرفي الناقد يحكم على الدارهم بالزيف والصالح ويعجز عن إبانة السبب.
فنقول: ليس الامر كما ذكر فالواقع يخالف قوله، فهذه كتب العل أمامنا، إن وجد الايجاز والاختصار في بعضها ففي الاخر تجد التفصيل وبيان السبب والتعليل. فمثله كمثل الطبيب الحاذق إذا عرض له شخص ظاهره السلامة، لا يظهر المرض فيه لعامة الناس، فينظر إليه أول نظرة ويبدي رأيه إجمالا إن فيه مرض كذا، فإذا أجري عليه الفحص والفسر والتحليل والأشعة، يظهر بوضوح صدق قوله.
كما قال نعيم بن حماد قلت لابن مهدي: كيف تعرف صحيح الحديث وسقيمه؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون (1).
أقسام العلة:
تقع العلة في الاسناد وحده وفي المتن وحده وفي كليهما فعلى هذا تنقسم

(١) شرح علل الترمذي لابن رجب 175.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»