ولهذا لم يتكلم في هذا العلم إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم.
قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ:
انما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث، فأما شأن الناس ممن يدعي كثرة كتابة الحديث أو متفقه في علم الشافعي وأبي حنيفة أو متبع لكلام الحارث المحاسبي والجنيد وذي النون وأهل الخواطر. فليس لهم أن يتكلموا في شئ من علم الحديث إلا من أخذه عن أهله وأهل المعرفة. فحينئذ يتكلم بمعرفة (1).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم يعلل الحديث من أين قلت هذا لم يكن له، حجة، ذكره الحاكم.
وذكر أيضا بإسناده عن أبي زرعة وقال له رجل: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة، أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته، ثم تقصد ابن واره يعني محمد بن مسلم ابن واره، وتسألنه عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم يقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلام كل منا على ذلك الحديث. فإن وجدت بيننا خلافا في علته فاعلم إن كلا منا تكلم على مراده. وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم. قال: ففعل الرجل. فاتفقت كلمتهم عليه، فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام (2).
وهنا تنبيه:
ينبغي أن نفهم كلام عبد الرحمن بن مهدي على وجهه، وهو أنه ليس مقصوده من قوله " معرفة الحديث إلهام " أنه قد يعلل ولا حجة له فيه إنما