ومع هذا الاعتراف إن هذه الروايات لا تثبت ما رامه وهو أن الغلو كان له معنى واحد في جميع الأزمنة، ولازمه ترك الفرائض، وأن ذلك المعنى كان مقبولا عند الكل من عصر الإمام الصادق عليه السلام إلى عصر الغضائري إذ فيه:
أما أولا: فإنه يظهر عما نقله الكشي عن عثمان بن عيسى الكلابي أن محمد بن بشير أحد رؤساء الغلاة في عصره، وأتباعه كانوا يأخذون بعض الفرائض وينكرون البعض الآخر، حيث زعموا أن الفرائض عليهم من الله تعالى إقامة الصلاة والخمس وصوم شهر رمضان، وفي الوقت نفسه، أنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض (1). وعلى ذلك فما ذكره من امتحان الغلاة في أوقات الصلاة راجع إلى صنف خاص من الغلاة دون كلهم.
وثانيا: أن الظاهر من كلمات القدماء أنهم لم يتفقوا في معنى الغلو بشكل خاص على ما حكى شيخنا المفيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أنه قال: أول درجة في الغلو، نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله والامام، ثم قال الشيخ: فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر، مع أنه من علماء القميين ومشيختهم، وقد وجدنا جماعة وردت إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين، ينزلون الأئمة عليهم السلام عن مراتبهم، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الاحكام الدينية، حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء (2).
فإذا كانت المشايخ من القميين وغيرهم يعتقدون في حق الأئمة ما نقله