الزبير بالكوفة كان كرارا يقول: أما ورب البحار! لأقتلن كل جبار حتى إذا أقمت عمود الدين ورأبت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت بثأر النبيين لم يكبر علي زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى (1).
وكان عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة - وكانا على الكوفة من قبل ابن الزبير - حبساه فشفع فيه ابن عمر فأطلقاه وحلفاه ألا يخرج عليهما، فإن فعل فعليه ألف بدنة ينحرها عند الكعبة ومماليكه أحرار؛ فقال بعد خلاصه لثقاته:
ما أحمقهم يرون أني أفي لهم! إذا حلفت على يمين فرأيت خيرا منها أكفر، وخروجي عليهم خير من كفي (2).
وفي الطبري: أن عمر بن سعد كان قال لعبد الله بن جعدة بن هبيرة - وكان أكرم الخلق على المختار لقرابته بعلي (عليه السلام) - لا آمن هذا الرجل فخذ لي منه أمانا، ففعل، وكان أمانه: أنه آمن على نفسه وماله وأهل بيته وولده، لا يؤاخذ بحدث كان منه قديما ما سمع وأطاع ولزم رحله وأهله ومصره، فمن لقي عمر بن سعد فلا يعرض له إلا بخير؛ وجعل المختار على نفسه ليفين له بأمانه إلا أن يحدث حدثا. قال:
فكان أبو جعفر محمد بن علي يقول: أمان المختار لعمر بن سعد " إلا أن يحدث حدثا " فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث (3).
وفي أنساب البلاذري: حلف ابن زياد ليقتلن المختار، فسمع ذلك أسماء بن خارجة وعروة بن المغيرة، فدخلا عليه وأخبراه وقالا: أوصنا في مالك، فقال:
كذب والله ابن مرجانة الزانية! والله لأقتلنه ولأضعن رجلي على خده! فنهضا مستحمقين له وبكرا إلى ابن زياد، فإذا زائدة بن قدامة الثقفي قد دخل عليه بكتاب من يزيد يعلمه أن عبد الله بن عمر كتب إليه فيه (إلى أن قال) فقال للمختار: قد أجلتك ثلاثا فلا تساكني؛ ففكت قيوده بالعذيب (4).