قاموس الرجال - الشيخ محمد تقي التستري - ج ٩ - الصفحة ٢١
قوما قط أسر ولا سرورا قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن أبي بكر، فقال (عليه السلام): «أما إن حزننا عليه على قدر سرورهم به، لا بل يزيد أضعافا» وحزن (عليه السلام) على محمد حتى رؤي ذلك في وجهه وتبين فيه (1) -.
وروى أن محمد بن أبي بكر استخرج من الخرابة وقد كاد يموت عطشا، فقال لهم: أسقوني من الماء، فقال له معاوية بن خديج: والله لأقتلنك فيسقيك الله الحميم والغساق! قال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك إليك، إنما ذلك إلى الله تعالى يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه. قال له معاوية: أتدري ما أصنع بك؟ ادخلك في جوف حمار ثم احرقه عليك بالنار، فقال: إن فعلتم ذلك فطالما فعل ذلك بأولياء الله، إن الله تعالى يحرقك ومن ذكرته قبل [قلت: يعني عثمان، وكان ذكر معاوية له قبل أنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء] وإمامك - يعني معاوية بن أبي سفيان - وهذا - وأشار إلى عمرو بن العاص - بنار تلظى عليكم، كلما خبت زادها الله سعيرا. قال له: إنما أقتلك بعثمان، قال له: وما أنت وعثمان! إن عثمان عمل بالجور ونبذ حكم الكتاب، وقد قال تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون» فنقمنا ذلك عليه فقتلناه، وحسنت أنت له ذلك، فقد برأنا الله إن شاء الله من ذنبه، وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه وجاعلك على مثاله. فغضب معاوية فقدمه فقتله ثم ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه (2).
وفي الطبري روى ابن عائشة التيمي عن رجاله عن كثير النوا: أن أبا بكر خرج في حياة النبي (عليه السلام) في غزاة فرأت أسماء بنت عميس - وهي تحته - كأن أبا بكر متخضب بالحناء رأسه ولحيته وعليه ثياب بيض، فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فبكت وقالت: إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر، إن خضابه الدم وإن ثيابه أكفانه، فدخل النبي (صلى الله عليه وآله) وهي تبكي، فقال: ما أبكاها؟ قالوا: أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ليس كما عبرت عائشة، يرجع أبو بكر صالحا فتحمل منه

(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»