الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٧
في أحكام الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يأت به نص، لكن تعليلا منهم وقياسا ثم يتحرون تجنب مثل هذا في أقوال أبي حنيفة ومالك والشافعي، فلا يتعدون نصوص أقوالهم، فقالوا: خطاب الآدميين وقد يكون فاسدا ولا حكمة فيه، وخطاب الله تعالى حكمة.
قال أبو محمد: وهذا تمويه لا ينفك به من السؤال المذكور، ويقال له: أي فساد في خطاب امرئ موص في ماله بما أباحه له الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، ولم يتعد إلى مكروه؟ فلو جاز ألا يحمل كلامه على موجبه ومفهومه خوف فساده، لما جاز تنفيذ تلك الوصية جملة خوف فسادها فلما اتفقوا معنا على تجويز تلك الوصية وحملها على ظاهرها، صح أنها حق، وبطل تمويه من رام الفرق بين ما سألناهم عنه، من حملهم كلام الناس على ظاهره ومفهومه وحملهم كلام ربهم تعالى على الكهانات بالدعاوي والظنون، وما ليس فيه ولا مفهوما منه وقلنا لهم: فيم غلبتم ما لم يؤمن فساده وما لا حكمة فيه، من أقوال أبي حنيفة المتخاذلة، وأقوال مالك المتناقضة، وأقوال الشافعي المتعارضة، على المضمون فيه الحكمة من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؟ حتى صرتم لا تأخذون من النصوص إلا ما وافق كلام أحد المذكورين، ولا تزالون تتحيلون في إبطال حكم ما خالف قولهم من القرآن السنة بأنواع الحيل الباردة الغثة؟ والسؤال يعد لهم لازم لا انفكاك عنه أصلا، وبالله تعالى التوفيق.
ومما احتج به عليهم أصحابنا في إبطال العلل والقياس نهي الله تعالى الناس عن سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم الاقتصار على ما يفهمون مما يأمرهم به فقط، فلو كان المراد من النص غير ما سمع منه لكان السؤال لهم لازما، ليتبينوا ويتعلموا، فلما منعوا من السؤال أيقنا أنهم إنما لزمهم ما أعلموا به فقط.
فأجاب بعض أصحاب القياس فقال: إنما نهوا عن سؤال من سأل عن أبيه.
قال أبو محمد: وهذا الكذب بعينه لان نص الآية يكذب هذا القائل في قوله تعالى بعقب النهي عن السؤال: * (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) وبين ذلك طلحة رضي الله عنه في قوله: كنا نهينا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ فكان يعجبنا أن يأتي بالرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونسمع،
(١١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1132 1133 1134 1135 1136 1137 1138 1139 1140 1141 1142 ... » »»
الفهرست