جريان البراءة فيه على هذا القول فمن احتمل صدور فعل اختياري منه موجب لحكم تكليفي لا بد وان يأتي بمتعلقه لان ذلك الحكم التكليفي على تقدير تعلقه فلا محالة كان معلوما له في زمان والمفروض ان احتمال تكليف معلوم ولو في زمان ليس موردا للبراءة لمنجزية العلم السابق له على تقدير وجوده فينحصر جريان البراءة بموارد احتمال التكاليف الغير المترتبة على الأفعال الاختيارية وهذا هو اللازم الفاسد الموجب لتأسيس فقه جديد " واما " الدعوى الثانية فغاية ما يمكن ان يقال في تقريبها هو ان البراءة العقلية وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان موردها المتيقن بنظر العقل هو ما إذا لم يكن هناك بيان أصلا واما مع احتمال البيان من جهة احتمال كون الحكم الواقعي معلوما ولو في زمان فلا يستقل العقل بالقبح فلا بد من الاحتياط دفعا للضرر المحتمل واما البراءة الشرعية فموضوعها بمقتضى دليل الرفع هو ما لا يعلمون وهو ظاهر في عدم المعلومية رأسا فمع احتمال المعلومية ولو في زمان سابق يكون الشبهة مصداقية فلا يمكن التمسك بدليلها (وجوابها) ان العقل وإن كان قد يتردد في موضوع حكمه لأجل عدم احراز ملاكه تفصيلا كما إذا تردد العقل في أن ملاك القبح في الكذب هل يختص بالكذب الغير النافع أو يشمل لنافع أيضا فيأخذ بالمقدار المتيقن لكن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس من هذا القبيل لما عرفت سابقا من أن الحكم الواقعي بوجوده النفس الأمري يستحيل أن يكون محركا فلا بد في محركيته من وصول الحكم اما بنفسه أو بطريقه كما في موارد الشبهة قبل الفحص وحيث إن المفروض في المقام عدم وصول الحكم بنفسه ولم يقم دليل على وجوب الاحتياط بمجرد الاحتمال فلا محالة يستقل العقل بقبح العقاب فلا يكون أثر لاحتمال وصول الحكم سابقا إذا لا يترتب على الوصول السابق أثر في الزمان اللاحق بل لو فرضنا ترتب أثر شرعي عليه أيضا فهو أيضا يندفع بالبراءة للشك في تحقق موضوعه ومن هنا يظهر الحال في البراءة الشرعية فإن موضوعها وإن كان ما لا يعلمون إلا أن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع وقرينية حكم العقل بقبح العقاب من دون وصول الحكم بنفسه ولا بطريقه هو دوران الحكم بالبراءة مدار الوصول الفعلي بأحد قسميه ومع عدمه كما في المقام لا مناص عن الحكم بالبراءة (فإن قلت) كما لا ريب في أن الواجب الموسع إذا كان مقدورا في بعض الأزمان دون بعض يتضيق في الزمان المقدور فيه ولا يبقي على سعته فكذا يتضيق من حيث التنجز إذا كان معلوما في بعض الأزمان فقط فكلما تنجز في الزمان المعلوم يكون الاعتبار به لا ببقية الأزمنة كما في القدرة طبق النعل بالنعل (قلت) قياس العلم بالقدرة في ذلك مما
(٢٢٨)