الخطاب بالاجتناب عن ملاقى النجس ولو إجمالا هذا (ولكن الوجه الأخير) منها وكذا الوجه الأول غاية البعد، فإنه مما لا يساعد عليه كلمات الأصحاب من التعبير بمثل ينجسه أو لا ينجسه وينفعل و نحوه، فان الظاهر من نحو هذه التعبيرات هو كون نجاسة الملاقي من جهة السراية بمعنى السببية لا الانبساط ولا من جهة التعبد، وكذا ما في متفرقات النصوص من التعبير بنحو ما ذكر كقولهم عليهم السلام (الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شئ) الظاهر في سببية نجاسة الشئ لنجاسة الماء عند عدم بلوغه كرا (بل كلماتهم) مشحونة بالسراية بمعنى السببية كما يشهد له بنائهم على ملاحظة السببية و المسببية بينهما والتزامهم بعدم معارضة أصالة الطهارة في الملاقي مع استصحاب النجاسة في الملاقى - بالفتح - (والا فعلى) السراية بمعنى الانبساط والاتساع لا مجال لهذا الكلام فان نجاسة الملاقي حينئذ انما تكون في عرض نجاسة الملاقى لكونها مرتبة سعة نجاسته وبعد عدم اقتضاء التعبد بنجاسة الملاقى لاثبات السراية التي هي من اللوازم العادية الواقعية تجري أصالة الطهارة في الملاقي فتعارض مع استصحاب النجاسة في الملاقى مع أنهم لا يلتزمون بذلك، كل ذلك مضافا إلى قضاء الارتكاز العرفي في التنجيسات العرفية و قذاراتهم، فان مقتضى الارتكاز العرفي هو كون نجاسة الملاقي من شؤون نجاسة الملاقى - بالفتح - وجائية من قبل ما لاقاه، لا انها مرتبة سعة نجاسة الملاقي كطول الخط بالنسبة إلى ذاته، ولا انها نجاسة مستقلة تعبدية في قبال نجاسة الملاقي، ولذا ترى إباء، ارتكازهم عن سراية النجاسة إلى الماء العالي الوارد (وحينئذ) فالمتعين من مجموع الكلمات والنصوص بضميمة الارتكاز العرفي هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة لا الوجه الأول ولا الوجه الثالث فإنهما مما لا شاهد عليه لا من الاخبار ولا من الكلمات، بل كان الشاهد فيهما على خلافهما، (الأمر الثالث) لا إشكال في أن كل طريق معتبر إذا قام على عنوان ذي أثر يوجب بقيامه عليه بحكم العقل ترتيب كل ما لذلك العنوان من الآثار التكليفية والوضعية عليه من غير فرق بين كون الطريق هو العلم الوجداني أو غيره ومن غير فرق بين كونه تفصيليا أو إجماليا، فمع العلم الاجمالي بعنوان ذي أثر كالعلم بخمرية أحد المائعين يترتب على عنوان المعلوم جميع ماله من الآثار التكليفية والوضعية كحرمة شربه ونجاسة ملاقيه وفساد بيعه ووجوب الحد على شربه،
(٣٥٥)