ويمكن استفادة التعميم من وجه آخر، وهو استفادته من جهة نفس الخطاب وظهوره في الكشف عن المصلحة المطلقة وعن فعلية التكليف بالنسبة إلى كل من وجد وبلغ من افراد المكلفين، بتقريب ان عدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي إلى المعدوم لما لم يكن من جهة وضع الأداة، بل ولا من جهة قرينة متصلة لفظية أو عقلية ارتكازية بل كان ذلك من جهة قرينة عقلية غير مرتكزة، بلحاظ ان حكمه بعدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي نحو المعدوم انما هو بعد التفاته إلى أن المواجهة بالخطاب الحقيقي لا بد لها من طرف موجود ذي شعور، فلا جرم يكون من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور الخطاب، نظير حكمه باشتراط القدرة في صحة توجيه التكليف، وفي مثله فيؤخذ بظهور الخطاب في الكشف عن المصلحة المطلقة في الفعل وعن فعلية التكليف بالنسبة إلى كل من وجد وبلغ من افراد المكلفين، كما يؤخذ بظهور الهيئة في الكشف عن المصلحة في المتعلق حتى في حال العجز وعدم القدرة، وبهذا التقريب أيضا أمكن استفادة التعميم لغير المشافهين في الحكم الذي هو مفاد الخطاب وإن كان نفس الخطاب بمقتضى تلك القرينة العقلية لا يعم غير المشافهين، ولكن الأستاذ لم يتعرض لبيان هذا التقريب بل اقتصر على بيان التقريب الأول.
ثم إن الفرق بين التقريبين هو انه على التقريب الأول يختص استفادة التعميم بما لو كان الخطاب مصدرا بأداة النداء، مثل قوله: يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا، بخلاف التقريب الأخير الذي ذكرناه، فإنه عليه أمكن استفادة التعميم ولو كان التخاطب بأداة الخطاب، كقوله: كتب عليكم الصيام ونحوه، كما هو واضح.
ثم إنه لو أبيت عن ذلك كله نقول بأنه يكفي في تعميم الحكم المتكفل له الخطاب القرينة النوعية العرفية على إلغاء مثل هذه الخصوصيات في التكاليف الشرعية، حيث إنه من جهتها يقطع بأنه لا مدخلية لخصوصية الحضور في التكليف وان توجيه التكليف إلى الحاضرين انما هو من جهة كونهم من افراد المكلفين لا من جهة خصوصية حضورهم.
ومن ذلك أيضا ترى بناء الأصحاب رضوان الله عليهم على إلغاء مثل تلك الخصوصيات في التكاليف الشرعية المستفادة من الخطابات الواردة في الكتاب والسنة، حيث لم يتوهم أحد اختصاص حرمة النقض في مثل قوله عليه السلام لزرارة: (لا ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك) بخصوص زرارة، وكذا في قوله عليه السلام لزينب بنت