ومنها: ما كان من قبيل قوله: يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ونحو ذلك، مما كان الخطاب بأداة النداء وكان موضوع الخطاب عنوانا عاما قابلا للانطباق على الموجود والمعدوم.
ومنها: ما كان من قبيل قوله: يجب عليكم كذا وقوله: كتب عليكم الصيام ونحو ذلك، مما كان التخاطب بأداة الخطاب وكان المكلف بالتكليف نفس المخاطب.
اما القسم الأول منها فلا ينبغي الاشكال في شمولها للغائبين بل المعدومين، بل الظاهر هو خروج مثل هذا القسم عن حريم النزاع وعن مورد النفي و الاثبات بينهم، كيف وانه لا وجه لتوهم اختصاص مثل هذا القسم من الخطابات بخصوص المشافهين وعدم شموله للغائبين والمعدومين بعد عموم العنوان وعدم ما يوجب الاختصاص بالحاضرين، ومن ذلك ترى انه قد يكون المكلف والمقصود بالخطاب غير المخاطب في مجلس الخطاب، كما في قولك لمن حضرك من الرجال: يجب على النساء كذا.
واما الاشكال في أصل شمول التكاليف المستفادة من الخطابات للمعدومين في زمن الخطاب، نظرا إلى لا بدية وجود المكلف عقلا في صحة توجيه التكليف إليه، فمدفوع بأنه كذلك في التكاليف الفعلية المستتبعة للبعث والزجر، فإنها هي التي يحكم العقل باستحالة توجيهها نحو المعدوم فعلا، واما الغير البالغة إلى تلك المرتبة فلا محذور فيها، ضرورة انه لا مانع من توجيه التكليف على وفق ما تقتضيه الحكمة والمصلحة قانونا نحو الموجود والمعدوم حين الخطاب، ليصير فعليا منجزا عند اجتماع الشرائط وفقد الموانع، كقوله:
يجب على المستطيع كذا وعلى المسافر كذا، كما هو واضح.
واما القسم الثالث فالظاهر أنه لا إشكال أيضا في خروجه عن محل النزاع، وعدم شموله الا لخصوص الموجودين الحاضرين حال الخطاب، وذلك من جهة وضوح ان الخطاب الحقيقي يستدعى وجود المخاطب فعلا، لعدم صحة المخاطبة مع غير الموجود حال الخطاب بل ومع الغائب عن مجلس الخطاب أيضا، وحينئذ فإذا فرضنا ان المكلف هو المخاطب بالخطاب، فقهرا يلازم ذلك اختصاص التكليف الذي هو مضمون الخطاب أيضا بخصوص الحاضرين وعدم شموله للغائبين، فضلا عن المعدومين حال الخطاب، واما توهم انه في الخطاب الحقيقي يكفي وجود المخاطب ولو ادعاء ولا يعتبر فيه وجود المخاطب حقيقة، فمدفوع بأنه في الموجود الادعائي لا يكون الخطاب أيضا إلا ادعائيا، من جهة ما