الأمر الثالث قد علم مما سبق ان الهيئة في المشتق تدل على قيام المبدأ بالذات على اختلاف أنحاء القيام حسب اختلاف المبادي صدورا أو حلولا أو وقوعا، ففي المبادي اللازمة تدل الهيئة على قيام المبدأ بالذات بنحو الحلول كالميت والقائم والذاهب ونحوها وفي المبادي المتعدية كالضارب ونحوه تدل الهيئة على قيام المبدأ بالذات بنحو الصدور وفي مثل المقتول والمضروب والمقتل تدل الهيئة على قيام المبدأ بالذات بنحو الوقوع عليه أو فيه، وفي مثل العالم الجاري على الممكن تدل على القيام بنحو الحلول، وفي الجاري عليه سبحانه تدل على القيام بنحو الاتحاد العيني لكونه منتزعا عن بعض الجهات المدركة من الذات، والجامع في الكل هو القيام بذات المجرى عليه بنحو من أنحائه.
نعم في مثل المؤلم والمقيم ربما يقع الاشكال بلحاظ ان المبدأ وهو الألم والقيام فيهما لا يكون له قيام بذات المجرى عليه بل قيامهما انما كان بالغير وجهة إيجادهما وإصدارهما كان قائما بذات المجرى عليه، نعم هذا الاشكال لا يتوجه في مثل الضارب فان الايجاد فيه مستفاد من نفس المبدأ وقيام الايجاد والإصدار كاف فيه، بخلاف في مثل المؤلم والمقيم إذ المبدأ فيهما كان لازما ولا يكون بإصداري وحينئذ فجعل مثل الضارب في عداد المؤلم والمقيم في الاشكال - كما في الكفاية - مما لا وجه له. وعلى كل حال فلا بد حينئذ في التفصي عن الاشكال من الالتزام بأحد الامرين اما رفع اليد عما ذكرناه من لزوم قيام المبدأ في المشتقات بنفس ذات المجرى عليه والاكتفاء بمطلق القيام ولو بالغير، أو الالتزام باختلاف الهيئات وان الهيئة في بعضها تدل على صرف قيام المبدأ بالذات وبعضها على قيام إيجاد المبدأ كما في المؤلم والمقيم.
واما توهم ان المبدأ في المؤلم والمقيم انما كان هو الايلام والإقامة وهما دالان على الايجاد فالهيئة فيهما تدل على قيام هذا الايجاد بالذات من دون احتياج إلى دلالة الهيئة عليه كي يلتزم باختلاف الهيئات، فمدفوع بما تقدم بان المبدأ في المشتقات لا يكون هو المصدر بل وانما في الجميع هو المعنى الساري في جميع الصيغ من الافعال والمصادر والأسماء والمزيد وغيره، وإرجاع علماء الأدب صيغ كل باب من المزيد وغيره إلى