تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٤٥٩

____________________
ولا الأصلي كما توهمه بعض الأعلام (1) ولا فيه بمعنى اللابدية، ولا بمعنى وجوب اللوازم،

(١) قوله: (كما توهمه بعض الأعلام... الخ) واعلم أن من الأعلام من يستفاد منه كون النزاع في الوجوب النفسي الأصلي دون الغيري التبعي، بل هو صريح كلامه حيث قال: " وأما القائل بوجوب المقدمة فلابد أن يقول بوجوب آخر غير الوجوب التوصلي، ويقول بكونه مستفادا من الخطاب الأصلي، وإلا فلا معنى للثمرات التي أخذوها لمحل النزاع، فلابد لهم من القول بأنها واجبة في حد ذاتها أيضا كما أنها واجبة للوصول إلى الغير، ليترتب عليه عدم الاجتماع مع الحرام، وأن يكون الخطاب الأصلي ليترتب العقاب عليه، وأنى لهم بإثباتها انتهى ".
ويستفاد ذلك منه أيضا في مواضع أخر مما سبق على تلك العبارة وما لحقها كما لا يخفى على الخبير.
بل يستفاد من بعض الأعاظم أيضا، وربما يعزى إلى المحقق السبزواري، وجعله المحقق الخوانساري من جملة المحتملات الجارية في محل النزاع، ولعل ذلك التوهم لكل من صار إليه نشأ عن ظهور الوجوب حيثما أطلق في النفسي الأصلي، فلا ينصرف إلى الغير التبعي، أو أن ذلك ا لوجوب التبعي لا يعد وجوبا في الاصطلاح ولا يصدق عليه مصطلحهم في الوجوب.
أو أن الثمرات التي ذكروها لمحل النزاع من عدم اجتماع ا لمقدمة مع الحرام واستحقاق العقاب عليها لا يصلح لها إلا الوجوب النفسي الأصلي، إذ الواجب التوصلي مما يجتمع مع الحرام كما صرحوا به والواجب التبعي لا يستحق على تركه العقاب وهذا هو الذي أوجب ذلك التوهم في بعض الأعلام، كما يشهد به عبارته المتقدمة. أو أن محط نظر الأصولي في تلك المسألة وغيرها من المسائل الأصولية إنما هو الخطاب الصادر من الشارع والوجوب التبعي بالمعنى المذكور في المتن لا يلائمه من جهة كونه حكيما عالما شاعرا، لابتنائه على الغفلة والذهول وعدم الالتفات إلى المقدمة وكونها مما لابد منها، نعم في خطابات غيره يتعقل ذلك بل يكثر وقوعه ولكنه خارج عن موضوع بحث الأصولي.
أو أن الوجوب التبعي لشدة بداهة ثبوته مما لا يقبل الخلاف ولا يصير إليه أيادي الإنكار، فلا ينبغي تنزيل المسألة التي صارت معركة للآراء ومطرحا للأقوال على إثبات ذلك المعنى ونفيه، فلابد وأن يكون معقدها معنى آخر وراء ذلك زائدا عليه، وليس ذلك إلا الوجوب الأصلي الذي يقصد من الخطاب مستقلا.
وأنت خبير بوهن تلك الوجوه، وعدم قضاء شيء منها بصحة ما ذكر من التوهم.
أما الأول: فلأن قضية الظهور إنما يؤخذ بها مع عدم قيام صارف عنها، وقد ثبت الصارف في المقام من جهات شتى، فإن دعوى الضرورة كما عن غير واحد من أصحاب القول بوجوب المقدمة لا يمكن صرفها إلا إلى إرادة الوجوب التبعي مع ملاحظة عدم اعتراض أحد عليهم بكونه خروجا عن محل النزاع وقولا بما لا خلاف في ثبوته، وكذلك نفي الخلاف عن الوجوب كما عن بعضهم، ودعوى الوفاق على الوجوب كما عن آخر لا يناسبه الوجوب النفسي الأصلي، لعدم كون شيء منهما مظنة للوفاق ولا مظنة المصير إليه عن أحد، وكذلك ضعف القول بالنفي وعدم قائل به مطلقا على سبيل التحقيق وانحصار القول به في الواقفية كما في معزى العلامة على ما سيجيء حكايته عنه في نقل الأقوال لا يلائم إلا الوجوب التبعي، إذ الوجوب الأصلي قابل لأن ينكره الجل ومعظم المحققين فينافيه المصير منهم ومن جمهور أهل العلم إلى ثبوته كما لا يخفى.
وأيضا قد اتفقت كلمتهم في العنوان على التصريح بثبوت الوجوب أو نفيه أو الترديد بينهما على نحو الإطلاق، فلا يناسبه كون المراد بالوجوب نفيا وإثباتا هو النفسي الأصلي مع الاعتراف بثبوت الغيري التبعي، بل اللازم حينئذ أن يقال في العنوانات هل يعقل في المقدمة زيادة على ما فيها من الوجوب الغيري التبعي وجوب آخر، وهو كونها مطلوبة بالذات ومتعلقة للخطاب بالأصالة أو لا يعقل ذلك؟
وهذا كما ترى معنى ينافيه النفي والإثبات المطلقين، ولا يلائمه الأدلة التي أقاموها على إطلاقي النفي والإثبات كما لا يخفى.
ويؤيد جميع ما ذكرناه أيضا فهم جماعة من فحول العلماء [١] وتصريحهم بما ذكرناه وإطباقهم على تخطئة المتوهم، وما قيل أيضا من أن غرض المجتهد إنما يتعلق بكون الشيء واجبا سواء تعلق الخطاب به أصالة أم لا، لأن مقصوده استنباط حكم الوجوب ولا تختلف الحكم بكونه أصليا أو تبعيا لوجوب الإتيان على التقديرين.
وأما الثاني: فلما سيأتي في المتن من عدم الفرق في الوجوب اصطلاحا بين الأصلي والتبعي وصدق المصطلح على التبعي صدقه على الأصلي وأنه يترتب عليه بالنسبة إلى المقدمة جميع ما يترتب على الأصلي.
وأما الثالث: فلأن الواجب ما دام واجبا لا يجتمع مع الحرام ولو كان توصليا وقد سبق الكلام في تحقيقه، فلا ملازمة بين تلك الثمرة على فرض صحته والوجوب النفسي، والواجب الغيري لا يترتب على تركه من حيث هو استحقاق عقاب ولو كان أصليا كما تقدم تفصيل القول في ذلك.
ومع الغض عن ذلك وتسليم صحة تلك الثمرة فهي من لوازم الوجوب ولو كان تبعا، لما سيجيء تحقيقه من أن الواجبات التبعية يعامل معها معاملة الواجبات الأصلية سواء بسواء عقلا وعرفا، فلا منافاة بين تلك الثمرة - على فرض استقامتها - والوجوب التبعي لئلا يكون للقائل بوجوب المقدمة بد من القول بالوجوب الأصلي حيث لا ملازمة بينهما.
وأما الرابع: فلأن الوجوب التبعي ترجع حقيقته هنا - على ما مر مرارا ويجييء أيضا - إلى شأنية الطلب المجامعة لعدم فعلية الإرادة، وعدم فرضه طلب المقدمة عند طلب ذيها فعلا وهو لا ينافي حكمة الحكيم، ولا أن علمه بوجوب المقدمة بمعنى التصديق به أو تصور ذاتها عند تصور ذيها لإرادة الطلب يلازم طلبها فعلا أو قصد إيجابها تفصيلا، كما أن الشعور بكونها مقدمة وأنها لابد منها لوجود ذيها يقتضي قصد إيجابها في الخطاب المتعلق بذيها اكتفاءا بما يدركه العقل بملاحظة ذلك الخطاب من كون وجوبها لازما لما قصد به من إيجاب ذيها، وتعويلا على ما عليه بناء العرف والعادة من أن ما من شأنه الإيجاب في حكم ما أوجب فعلا في جميع الآثار المترتبة عليه، كيف ولولا ذلك لما كان لدلالة الإشارة مورد في الخطاب الشرعي، وهو كما ترى ينافي اتفاقهم على جوازها ووقوعها في آيتي الحمل الدالتين على أن أقله ستة أشهر، وفي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) - في النساء -: " أنها ناقصات عقل ودين، قيل ما نقصان عقلهن؟ فقال:
تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي أي نصف دهرها الدال على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما، وكذا أقل الطهر، إذ لا شك أن بيان ذلك غير مقصود ولكن لزم من حيث إنه قصد به المبالغة في نقصان دينهن ومبالغة يقتضي أكثر ما يتعلق به الغرض هكذا قيل، وإن شئت تفصيل الكلام في هذه المراتب فانتظر، فإن له محل مناسب سيجيء في المتن.
وأما الخامس: فلأن ضعف القول بالنفي وندرة القائل به بل وعدمه كما نفاه بعضهم أو عدم تعينه وعدم الاعتناء بشأن ما تعين في المقام في كلام العلامة دليل واضح على أن الوجوب التبعي هو المقصود بالعنوان وأنه محل البحث فإن الضروري لشدة بداهته قد يصير نظريا لضعفاء العقول ويلحقه الإنكار منهم لشبهة عرضت لهم فلولا ذلك هو محل البحث لكان ينبغي أن يكون النفي مذهبا للجمهور و المحققين، فكيف يجامعه مصيرهم إلى خلافه، فلاوجه لما أفاده المحقق الخوانساري عند تحريره لمحل الخلاف بقوله: " وإنما النزاع في تعلق الخطاب الشرعي بها حتى يكون الخطاب بالكون على السطح مثلا خطابا بأمرين، أحدهما: الكون على السطح والآخر: سببه أو شرطه أم لا؟ أو في ترتب استحقاق الذم على تركهما حين تركها دون ترك مشروطها هو ترتب استحقاق ذمين على تركهما معا أو تعلق الإرادة الحتمية أو الطلب بايجادها أو اشتمال تركهما على مفسدة ".
أما في الأول فلما عرفت مفصلا، وأما في الثاني والثالث فلأنه خلاف في الثمرة لا في أصل المسألة كما نبه عليه بعض الفضلاء.
وأما في الرابع: فلأن المراد بالإرادة الحتمية أو الطلب بإيجاد المقدمة إن كان الإرادة والطلب شأنا لا فعلا فهو وإلا رجع إلى الأول، فليس احتمالا آخر مقابلا له.
وأما في الخامس: فلأن المفسدة المترتبة على ترك المقدمة إن أريد بها إداءه إلى ترك ذي المقدمة فهو مما لا يقبل النزاع فيه أصلا، فلا وجه لتنزيل الخلاف الكذائي الذي صار من مهمات مسائل الأصول إلى هذا المعنى، وإن أريد بها استحقاق الذم والعقاب على ترك المقدمة فهو راجع إلى الثاني والثالث وكأن محل النزاع [صار] مشتبها له (رحمه الله) وغيره. (منه عفى عنه).
[١] منهم الفاضل النراقي ومصنفي الهداية والفصول وحكاه النراقي عن أبيه والفاضل الباغنوي والمحقق الخوانساري وغيرهم وصرح به في الضوابط وغيره (منه).
(٤٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 442 444 448 450 459 460 469 481 482 483 ... » »»