عليهم أيضا وقد أجيب عنه بوجهين أحدهما بارتكاب التأويل في لفظ العلم فحملوه تارة على الظن وأخرى على الأعم منه ومن اليقين أعني الطرف الراجح وكلاهما مردود أما أولا فبأن إطلاق العلم على كل من المعنيين مجاز ولا قرينة عليه ومجرد الشهرة كما ادعي لا يصلح لها فلا يصح أن يرتكب سيما في الحدود وأما ثانيا فبأن بعض الأدلة ربما لا يفيد الظن بالواقع أيضا كأصالة البراءة و الاستصحاب المعمول في نفي التكليف أو إثباته مع أن الاحكام المثبتة بهما من الفقه قطعا وأما ثالثا فلان الظن أو الاعتقاد الراجح كثيرا ما لا يتعلق بما هو الحكم الواقعي لتطرق الخطأ إلى غير العلم و لو أريد بالحكم الواقعي ما هو كذلك في ظن المعتقد لزم التصرف في الحكم أيضا وهو كما سيأتي مغن عن التصرف في العلم و أما رابعا فبأنه قد يحصل الظن بالأحكام لمن ظن بصدق الرسول صلى الله عليه وآله مع أنه لا يسمى فقها كما عرفت ويمكن دفع هذا بما مر على أن استدلال الفقيه قد ينتهي إلى القطع بالحكم فيلزم على الأول أن يكون خارجا من الفقه والتزامه كما وقع من البعض مما لا يلتفت إليه وقد يجاب بأن المراد العلم بوجوب العمل أو العلم بمدلول الدليل وليس بشئ لأنه إن أريد أن المراد بالحكم ما يجب العمل به أو مدلول الدليل رجع إلى المعنى الآتي إذ لا نعني بالحكم الظاهري إلا ذلك فلا وجه لذكرهما في مقابلته وإن أريد أن ذلك مدلول لفظ العلم كما صرح به الفاضل المعاصر وهو الظاهر من كلام غيره فلا بد أن يكون المراد أن لفظ العلم مستعمل في المقيد لا في المجموع لعدم العلاقة فيتجه عليه أن هذا التأويل مع ما فيه من التعسف في لفظ العلم وفي متعلق الظرف لا يغني عن التصرف في الاحكام المغني عن هذا التعسف فيكون تكلفا مستدركا ثم العلاقة على هذين التقديرين علاقة الاطلاق والتقييد كما هو الظاهر لا علاقة المشابهة كما زعمه المعاصر المذكور حيث ذكر أن العلم حينئذ استعارة للظن بمشابهة وجوب العمل به وهو كما ترى لان من فسر العلم بأحد هذين التفسيرين أراد به ما يقابل الظن لا الظن مع أن وجوب العمل بالحكم المظنون أو كونه مدلول الدليل أمر معلوم لا مظنون فلا يستقيم إرادة الظن بالعلم الثاني بالتزام التصرف في الاحكام بحملها على الأعم من الواقعية والظاهرية أعني الاحكام الفعلية ولا ريب في أن الفقيه عالم بها بهذا الاعتبار و ينبغي أن ينزل عليه ما أجاب به العلامة من أن ظنية الطريق لا تنافي علية الحكم فلا يرد عليه ما قيل من أنه يبتني على التصويب لان ذلك إنما يتجه إذا أراد بها الاحكام الواقعية لا مطلق الاحكام وتوضيح ذلك أنه قد تفرد عندنا أن لله تعالى في كل واقعة حكما معينا لولا عروض المانع وهو جهل المكلف به لكان عليه أن يعمل على حسبه و هذا هو المعبر عنه بالحكم الواقعي ثم المجتهد إنما يجب عليه أن يصرف سعيه في طلبه ويبذل مجهوده في إدراكه وبعد السعي والكد إن أصابه وإن لم يصبه فالذي أدى إليه دليله وبلغ إليه نظره هو حكم الله في حقه بمعنى أنه الذي يجب عليه أن يعمل به ويبنى على حسبه فينتظم عنده في كل حكم مقدمتان صغريهما وجدانية وهي هذا ما أدى إليه نظري وكبريهما اتفاقية وهي كل ما أدى إليه نظري فهو حكم الله في حقي فينتج أن هذا حكم الله تعالى في حقه وحيث كانت المقدمتان قطعيتين كانت النتيجة أيضا قطعية فيكون الفقيه قاطعا بالأحكام جازما بها وقد أورد على هذا الجواب بأن علم الفقيه على هذا التقدير يكون مأخوذا من دليل إجمالي لا من الأدلة التفصيلية كما يقتضيه الحد وأجيب عنه بوجهين الأول أن الظرف متعلق بمقدر صفة للأحكام ويعتبر الحيثية ليخرج علمه تعالى وعلم الملائكة والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة وعلم المقلد و الضروريات وقد مر بما فيه الثاني أن الملحوظ في قوله هذا ما أدى إليه نظري هو تلك الأدلة التفصيلية فتكون هي مأخوذة فيه فيصدق أن علمه حاصل عنها وفيه نظر لان الأدلة التفصيلية إنما تلاحظ فيها على وجه التصور لا التصديق وقد تقرر في محله أن التصديق لا يكون حاصلا من التصور بل من التصديق ويمكن الجواب بأن المراد بكونه حاصلا عنها مجرد كونها معتبرة في حصوله وإن لم تكن كاسبة له وفيه تعسف أقول والأولى حينئذ أن يغير ذلك الدليل الاجمالي ويجعل دليلا على قطعية الأدلة عنده و ذلك بأن يقال الفقيه قاطع بالأحكام عن أدلتها المعهودة للاجماع على حجية تلك الأدلة في حقه فينتظم عنده في كل دليل مقدمتان من صغرى وجدانية ومن هذا الدليل مما أدى نظري إلى كونه حجة و كبرى اتفاقية وهي كلما يكون كذلك فهو حجة في حقي فينتج أن الدليل المذكور حجة في حقه فينتظم له في الاحكام أدلة متعددة كقوله حكم كذا مما دل عليه ظاهر الكتاب وكلما دل عليه ظاهر الكتاب فهو ثابت أو دل عليه الخبر الصحيح وكلما دل عليه الخبر الصحيح فهو ثابت وعلى هذا القياس فيندفع الاشكال لان علمه حينئذ مأخوذ من الأدلة التفصيلية وإن رجع إثبات حجيتها أو حجية بعضها إلى دليل إجمالي فيصدق عليه الحد بهذا الاعتبار لكن يتجه الاشكال حينئذ بدخول علم المقلد إذ على هذا البيان يمكن أن يجعل فتاوى المفتي له أدلة تفصيلية ويقرر الدليل الاجمالي على وجه يكون دليلا على حجيتها ووجه التفصي عنه إما بأن يقال مثل ذلك لا يسمى أدلة تفصيلية عرفا لان مرجعها إلى دليل إجمالي وإن اختلف فيه مصداق طرفي الصغرى أو باعتبار العهد في الأدلة كما مر أو بأن يعتبر تعدد الأدلة بحسب النوع ويجعل قيد التفصيلية للتوضيح أو يحمل المجموع على ذلك لظهوره فيه فيخرج علم المقلد إذ أدلته نوع واحد وهو فتوى المفتي وإن تعددت أو تعددوا لكن لا يستقيم حينئذ طرد الحد إلا على تقدير المنع من التجزي مطلقا واعلم أن ما مر غاية توجيه المقام وهو عندي بعد غير مصحح لطرد الحد لان العلم المذكور قد يحصل لمن ليس له أهلية الفتوى نظرا إلى زعمه ذلك بنفسه كما تراه في بعض أبناء زماننا فإن التباس حاله عليه وقطعه بأن له أهلية الفتوى يوجبه قطعه بالأحكام و
(٧)