الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٢
نقول إنما يبحث في العلم عن أجزاء الموضوع وجزئياته من حيث كونهما أجزاء أو جزئيات له ليصح رجوع تلك المباحث إلى البحث عن الموضوع ومن هنا يتبين أن بحث علماء المعاني مثلا عن وضع الأمر والنهي يمايز بحث علماء الأصول عنه من حيث تمايز الموضوعين لان علماء المعاني يبحثون عن الأمر والنهي المطلقين والأصولي إنما يبحث عنهما من حيث كونهما مقيدين وإن أهملوا التصريح بالحيثية تعويلا على الظهور وعلى هذا القياس بحثهم عن أدوات العموم والمفاهيم وما أشبه ذلك فإن المطلق المأخوذ بوصف إطلاقه يغاير المقيد المأخوذ بوصف تقييده وإن كان هناك تمايز باعتبار تمايز حيثية البحث أيضا وبعد اعتبار الحيثية المذكورة فيها يرجع الموضوع في تلك المباحث إلى ما ذكرناه ثم كون الأمور المذكورة جز من الكتاب والسنة إنما يصح إذا جعل الكتاب عبارة عن مجموع الألفاظ المدلول عليها بما بين الدفتين والسنة عبارة عن مجموع الاخبار المنقولة وأما إذا جعل الكتاب عبارة عن القول المنزل للاعجاز والسنة عبارة عن قول المعصوم أو ما قام مقامه كانت تلك الأمور جزئيات له قطعا وأما ما ذكر من أن المطلق جز من المقيد فليس بسديد بل التحقيق أنه نفسه وإن غايره في وصف اعتبار التقييد معه وعدمه نعم لو اعتبر التقيد جز من المقيد كان جز منه كما ذكر هذا وأما بحثهم عن حجية الكتاب وخبر الواحد فهو بحث عن الأدلة لان المراد بها ذات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة فكونها أدلة من أحوالها اللاحقة لها فينبغي أن يبحث عنها أيضا وأما بحثهم عن عدم حجية القياس والاستحسان ونحوهما فيمكن أن يلتزم بأنه استطرادي تتميما للمباحث أو يقال المقصود من نفي كونها أدلة بيان انحصار الأدلة في البواقي فيرجع إلى البحث عن أحوالها أو أن المراد بالأدلة ما يكون دليلا ولو عند البعض أو ما يحتمل عند علماء الاسلام ولو بعضهم أن يكون دليلا فيدخل فيها وفيه تعسف فإن قيل المسائل التي تذكر في الأدلة العقلية هي بنفسها أدلة عقلية فيلزم أن يكون الموضوع من المسائل قلنا الدليل العقلي عبارة عن المفردات العقلية كالاستصحاب وأصل البراءة والمسائل عبارة عن إثبات حجيتها ووجوب العمل بها فلا محذور القول في المبادي اللغوية تقسيم اللفظ الموضوع إما أن يتحد في الاعتبار أو لا وعلى التقديرين إما أن يتحد المعنى الموضوع له أو لا فإن اتحد اللفظ وتعدد المعنى فإن تعدد الوضع فمشترك وإن كانت الأوضاع ابتدائية بأن لم يلاحظ في بعضها مناسبة للاخر ولا عدمها وإلا فإن لوحظ في الثاني مناسبة للأول فمنقول تعييني أو تعيني والثاني مسبوق بالتجوز إن لم يكن النقل من المطلق إلى المقيد أو من العام إلى الخاص وإلا فمرتجل وقد يترك القيد الأخير في حد المشترك فيتناول المرتجل وقد يقتصر فيه على مجرد تعدد الوضع فيتناول المنقول أيضا وهذا أقرب إلى الاعتبار إلا أن المعروف هو الأول وإن لم يتعدد الوضع فالوضع عام و الموضوع له خاص وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى وكانت الدلالة من جهة واحدة فالألفاظ مترادفة وإن تعددا فمتباينة وقد يجتمع بعض هذه الأقسام مع البعض ويفرق بالحيثية ثم اللفظ إن لم يقبل نفس تصور معناه الشركة فجزئي وإلا فكلي متواط إن تساوت فيه الافراد وإلا فمشكك والتواطي والتشكيك يعتبران تارة بالقياس إلى صدق المعنى وتحققه وأخرى بالقياس إلى الدلالة وصدق اللفظ ومرجع التشكيك في الأول إلى الاختلاف في الشدة والضعف و يقابله التواطي بالاعتبار الأول ويستند في الثاني تارة إلى الاختلاف السابق لكنه لا يطرد في موارده فإنه لا ينصرف إطلاق السواد والبياض عرفا إلى أشد أفرادها وأخرى إلى غيره كالاختلاف في الأشهرية والأكملية والأوفقية بالإرادة ولو بحسب مقام التخاطب و يقابله التواطي بالاعتبار الثاني فاتضح أن النسبة بين الاعتبارين عموم من وجه والأوفق بمباحث الألفاظ هو الثاني ثم اللفظ إن استعمل فيما وضع له واعتبر من حيث إنه كذلك فحقيقة وإن استعمل في غيره لعلاقة فمجاز والحقيقة تنسب إلى ما ينسب إليه واضعها من حيث إنه واضعها إن لغة فلغوية أو عرفا فعرفية أو خاصة شرعية أو غيرها وإنما اعتبرنا الحيثية واحترازا عما لو وضع المتكلم الفقيه مثلا لفظا في الكلام أو الفقه فإنه بعد الاستعمال لا يعد حقيقة فقهية على الأول ولا كلامية على الثاني لانتفاء الحيثية وإن حصلت النسبة وما يقال من أن الحقيقة تنسب إلى واضعها فضعفه يعرف مما ذكرناه وكذلك المجاز ينسب إلى ما تنسب إليه حقيقته واعلم أن التقسيم إلى الكلي والجزئي إنما يلحق اللفظ باعتبار نفس معناه المطابقي في الذهن بقبول الصدق على كثيرين و عدمه وظاهر أن الوصف به كذلك يقتضي كون المعنى بحيث يمكن ملاحظة العقل إياه بنفسه وهذا إنما يجري في الأسماء التي تستقل بالدلالة على معانيها المطابقية دون الحروف لان مداليلها معان آلية يمتنع ملاحظة العقل إياها بنفسها وإن أمكن ملاحظتها بوجهها فصحة وصفها بالخصوصية والجزئية بهذا الاعتبار كما سيأتي في تقسيم الوضع وغيره لا ينافي ذلك ودون الافعال لاشتمالها على النسبة الاستنادية التي هي معنى حرفي ولهذا يمتنع الحمل عليها و دون الأسماء التي تتضمن معنى الحرف كأسماء الإشارة والضمائر و الموصولات فإن أسماء الإشارة موضوعة للذات المشار إليها وهو معنى ملحوظ في نفسه سواء اعتبر أمرا عاما أو خاصا مع الإشارة الحسية المأخوذة آلة لتعرف حال المشار إليه وكذلك الضمائر موضوعة للغائب أو المخاطب أو المتكلم مع صفة الغيبة أو الخطاب أو التكلم المأخوذة باعتبار كونها آلة لتعرف أحوال موصوفها وكذلك الموصولات تتضمن الإشارة إلى مداليلها المتعينة بصلاتها وهو معنى حرفي
(١٢)
مفاتيح البحث: النهي (1)، الصدق (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»