الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٨
تتبع الإرادة ناظر إلى هذا وتحقيقه أن اختصاص الوضع بالمعنى الذي تعلق به إرادة اللفظ يوجب انتفائه عند انتفائه فتنتفي الدلالة المستندة إليه وأما ما يرى من سبق المعنى عند العلم بعدم الإرادة فيمكن دفعه على هذا التقدير بأن ذلك انتقال إلى ما يصلح له اللفظ من حيث العلم بالوضع وليس انتقالا إلى ما وضع له اللفظ بالاعتبار الذي وضع له والفرق بين الانتقالين هو الفرق بين الانتقال إلى الشئ بحقيقته والانتقال إليه بوجهه فصل الدلالة عقلية إن استقل بها العقل كدلالة اللفظ المسموع من وراء الجدار على وجود لافظه وطبعية إن كانت بمعونة الطبع كدلالة آخ على التزجر [التضجر] ومن هذا الباب دلالة أصوات الحيوانات عند أبناء نوعها ووضعية إن كانت بمعونة الوضع وهي إما غير لفظية كدلالة الخط على اللفظ أو لفظية كدلالة زيد على مسماه وعرفوا هذه الدلالة بأنها فهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع وأورد عليه أولا بأن العلم بالوضع يتوقف على فهم المعنى ضرورة أن الأمور النسبية لا تعقل إلا بعد تعقل طرفيها فلو توقف فهم المعنى على العلم بالوضع كما هو ظاهر التعليق لزم الدور وجوابه أن العلم بالوضع إنما يتوقف على فهم المعنى ولو من غير لفظه و فهمه منه يتوقف على العلم بالوضع له فلا دور وثانيا بأن الفهم صفة السامع والدلالة صفة اللفظ فلا يصلح أحدهما تعريفا للاخر وأجيب بأن المصدر بمعنى المفعول أي مفهومية المعنى من اللفظ أي كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى غاية الامر أن يكون تعريفا باللازم ولا بأس به عند ظهور المراد وفي المقام أبحاث تركناها لقلة الجدوى في إيرادها وثالثا بأنه منتقض بدلالة زيد على لافظه بالنسبة إلى من كان عالما بوضعه وجوابه أن قيد الحيثية معتبر في التعريف والمعنى فهم المعنى بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع من حيث إنه عالم به وظاهر أن الفهم هناك ليس من هذه الحيثية وقد تتحقق الدلالة على معنى واحد باعتبارين كدلالة أنا على المتكلم فيفرق باعتبار الجهتين ورابعا بأن تقييد الفهم بكونه عند العالم بالوضع يوجب فساد عكس الحد لان الدلالة قد تتحقق عند غير العالم بالوضع أيضا و لولا ذلك لما صح عد التبادر من علامات الوضع وإلا لكان دورا و جوابه أن المراد بالعلم بالوضع ما يتناول العلم الاجمالي والتفصيلي ولا نسلم أن الفهم في الصورة المذكورة ينفك عنهما وإنما المسلم انفكاكه عن أحدهما ولولا ذلك لما كان اللغات توقيفية أو نقول المراد بالوضع هنا الاختصاص دون التخصيص ولو بالغلبة وإن كان الفرق بينهما عند التحقيق اعتباريا فما يتوقف عليه الفهم هو العلم بالاختصاص المستفاد من المحاورات دون التخصيص وما يتوقف على الفهم هو العلم بالتخصيص دون الاختصاص فلا إشكال ويمكن أن تعرف الدلالة المذكورة بأنها إفادة اللفظ للمعنى بسبب الوضع وهو أولى من الحد السابق لسلامته عما فيه من التكلف وهي تنقسم إلى أقسام ثلاثة لان دلالة اللفظ إما أن تكون على تمام ما وضع له أو لا والثانية إما أن تكون على جزئه أو لا ويسمى الأولى إن كانت من حيث إن المدلول تمام الموضوع له مطابقة والثانية إن كانت من حيث إنه جزؤه تضمنية والثالثة إن كانت من حيث إنه خارج لازم له التزامية وحيث اعتبرنا في الحد قيد الحيثية التعليلية وتركناها في التقسيم استقام الحد وصار التقسيم عقليا وإنما اعتبرنا الحيثية تعليلية لا تقييدية إذ لا جدوى في اعتبارها إذ يصدق على الدلالة المقيدة بكونها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له أنها مقيدة أيضا بكونها دلالة على جزئه أو لازمه حيث يكون جزا أو لازما أيضا لكنها لا تستند إلى الجميع بل إلى أحدها أو المجموع والمراد أن دلالة واحدة لا تستند إلى علل عديدة بل إما أن تستند إلى واحدة منها إذا اتحدت أو المجموع الملتئم من اثنين منها أو الثلاث إذا اجتمعت لان العلل متى اجتمعت صارت علة واحدة فيخرج عن كونها عللا متعددة وأما إذا قلنا بأنها معرفات أي علامات للمعاني فيجوز أن يجتمع عديد منها على معلول واحد فلا تصير علة واحدة بل يبقى على صفة تعددها ولك أن تقول العلامات علل إعدادية للعلم بالشئ فلا يجوز أن يستند العلم إلا إلى واحدة منها أو المجموع منه رحمه الله إلا إذا قلنا بأنها معرفات فيجوز تواردها على محل واحد أو أن العلل الحقيقية إذا تواردت صارت بمنزلة علة واحدة فنلتزم حينئذ بخروج مثل هذه الدلالة عن الحدود الثلاثة ولا بأس به مع دخولها في التقسيم لان الغرض تحديد الدلالات التي يصح الاستعمال بحسبها و الجمهور لما حاولوا الجمع بين التقسيم والتعريف فمنهم من اعتبر قيد الحيثية ومنهم من أهملها فأورد على تقسيم الأول بأن الحصر لا يكون حينئذ عقليا وأنه المقصود وربما تفصى بعضهم باعتبار قيد الحيثية في غير القسم الأخير وتركها فيه زعما منه أنه لا حاجة إليها في صحة التعريف بعد أخذها في القسمين الأولين وضعفه ظاهر لورود الاشكال عليه بصدق حده عليهما في الفرض الآتي وعلى التعريف الثاني بأنه ينتقض كل قسم بكل من قسيميه فيما لو كان اللفظ مشتركا بين الكل والجز واللازم أو بأحدهما فيما إذا كان مشتركا بين الكل والجز أو الملزوم واللازم وقد تفصى عنه بعض من أهمل قيد الحيثية بأن اللفظ لا يدل بذاته بل باعتبار الإرادة واللفظ حين يراد منه معناه المطابقي لا يراد منه معناه التضمني فهو يدل على معنى واحد لا غير وهذا الجواب حكاه العلامة عن المحقق الطوسي وهو يدل بظاهره على أنه جعل مورد القسمة دلالة اللفظ على تمام معناه المستعمل فيه لظهور أن مطلق الدلالة على المعنى لا تتوقف على إرادته كما سبق التنبيه عليه وأنه أراد بالإرادة والدلالة في قوله لا يراد معناه التضمني وقوله يدل على معنى واحد الإرادة والدلالة المستقلتين فيرجع كلامه في التقسيم إلى أن الدلالة الاستعمالية مطابقة إن كان المعنى تمام ما وضع له اللفظ و تضمن إن كان جزه والتزام إن كان خارجه اللازم له ولا خفاء في ورود الاشكال عليه أيضا لان المشترك المذكور إذا استعمل في أحد معنييه من الجز واللازم بالوضع أو العلامة صدق عليه أيضا حد الاخر نظرا إلى تحقق الإرادة مع ما فيه من الخروج عما هو المعروف عند القوم من أخذهم مورد القسمة مطلق الدلالة اللفظية الوضعية أعني الدلالة التي يكون لوضع اللفظ مدخل فيها حتى إنهم صرحوا بجواز اجتماع الدلالات الثلاث في إطلاق واحد كالانسان المستعمل في الحيوان الناطق فجعلوا دلالته على المركب بالمطابقة و على كل من جزيه بالتضمن وعلى لوازمه ككونه ضاحكا أو كاتبا بالالتزام و
(١٨)
مفاتيح البحث: الوقوف (5)، التصديق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»