لذات الموضوع دون ما يعرض له بواسطة أمر ولو مساو فإنه ليس في الحقيقة من عوارض الموضوع بل من عوارض ما يساويه فاللازم أن يبحث عنه في علم يكون موضوعه ذلك المساوي وإن أرادوا أن يكون العروض معلولا للذات أو للامر المساوي كالزوجية اللاحقة للأربعة المستندة إلى ذاتها وكقوة الضحك المستندة إلى قوة التعجب المساوية للانسان فهو فاسد أما أولا فلانه بظاهره يوجب أن يكون كل مبحث من مباحث العلم متناولا لجميع جزئيات موضوعه لامتناع تخلف المعلول عن العلة وهذا مما لا يكاد ينطبق على شئ من العلوم وأما ثانيا فلان العوارض المحمولة في كثير من العلوم إنما تلحق لموضوعاتها بواسطة أمور مباينة كما في علم اللغة والنحو و الصرف وتوابعها وعلم الفقه والأصول والطب أ لا ترى أن اختصاص كل لفظ بالدلالة على معنى واختصاص كل معرب بنوع من الاعراب واختصاص كل صيغة بمادة إنما يلحق الألفاظ بواسطة وضع الواضع وتخصيصه وهو أمر مباين لها وكذلك إنما تعرض الاحكام لفعل المكلف ويعرض الحجية للكتاب والسنة مثلا بواسطة حكم الشارع ووضعه وهو أمر مباين لهما وأما ما سبق إلى بعض الأوهام من أن لواحق الشئ لا تستند إلى ما يباينه وتعسف في عروض الحرارة على الماء بواسطة النار بأنها غير مستندة إلى نفس النار بل إلى مماستها وهي من عوارض الماء فليس مما يصغى إليه و منشأ عدم الفرق بين المقتضي والشرط هذا فإن قلت ليس موضوع النحو مطلق الكلمة والكلام بل هما من حيث الاعراب والبناء و كذلك ليس موضوع الفقه مطلق أفعال المكلفين بل هي من حيث الاقتضاء والتخيير مثلا فالاحكام لاحقة لها بهذا الاعتبار بالذات وعلى قياسه الكلام في موضوع سائر العلوم قلت إن أردت أن الموضوع نفس الحيثية فخطأ أو المركب فكذلك أو بشرط الحيثية يلزم منه أن يكون اللحوق مستندا إلى المشروط مع انتفاء الفائدة في تقييده بها وأما ما اشتهر من أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات فمما لم نقف له على وجه لان موضوع أحد العلمين أن تميز بنفسه عن موضوع الاخر فالتمايز بين العلمين حاصل بنفس الموضوع ولا حاجة إلى اعتبار الحيثية و إن اشترك فاعتبارها لا يوجب التمايز أ لا ترى أن اللفظ العربي الذي هو موضوع لعلوم العربية إذا أخذ من حيث الاعراب والبناء مثلا كما هو المعروف في الكتب النحوية لم يوجب اختصاصه بعلم النحو لأنه حال تقيده بهذا الاعتبار يعرض له أيضا أحوال الأبنية ويلحقه أحكام الفصاحة والبلاغة وغيرها لظهور أن لا منافاة بينها فيصح أن يقع مقيدا بهذه الحيثية موضوعا لتلك العلوم وكذا إذا اعتبر مقيدا بسائر الحيثيات وإن اعتبرت الحيثية تعليلية لم يستقم المعنى كما لا يخفى فالتحقيق في المقام أن يقال تمايز العلوم إما بتمايز الموضوعات كتمايز علم النحو عن علم المنطق وتمايزهما عن علم الفقه أو بتمايز حيثيات البحث كتمايز علم النحو عن علم الصرف و تمايزهما عن علم المعاني فإن هذه العلوم وإن اشتركت في كونها باحثة عن أحوال اللفظ العربي إلا أن البحث في الأول من حيث الاعراب والبناء وفي الثاني من حيث الأبنية وفي الثالث من حيث الفصاحة والبلاغة فهم وإن أصابوا في اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم لكنهم أخطئوا في أخذها قيدا للموضوع والصواب أخذها قيدا للبحث وهي عند التحقيق عنوان إجمالي للمسائل التي تقرر في العلم ولك أن تتعسف في كلماتهم بحيث ترجع إلى ما ذكرناه إذا تقرر هذا فنقول لما كان البحث في هذا العلم عن الأدلة الأربعة أعني الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل وعن الاجتهاد وعن التعادل والتراجيح من حيث استنباط الأحكام الشرعية منها نظر بعضهم إلى ظاهر ذلك فجعل موضوعه هذه الأمور الثلاثة وبعضهم أدرج الثالث في الأول نظرا إلى أن البحث عن التعادل والتراجيح راجع في الحقيقة إلى البحث عن دلالة الأدلة وتعيين ما هو الحجة منها عند التعارض وذهب بعض المحققين إلى أن موضوعه الأدلة الأربعة وأن سائر المباحث راجعة إلى بيان أحوالها وذلك لان البحث عن الأدلة أما من حيث دلالتها في نفسها وهو الامر الأول أو من حيث دلالتها باعتبار التعارض وهو الامر الثالث أو من حيث الاستنباط وهو الامر الثاني وهذا أولى بالضبط إلا أن إرجاع مباحث الاجتهاد إلى بيان أحوال الأدلة لا يخلو من تعسف وأما التقليد فمباحثه خارجة عن مباحث الفن وإن التزموا بذكرها استطرادا كما مر ولو جعلنا ذكرها فيه بالأصالة أمكن إدراجه في الاجتهاد على التغليب فإن قلت أكثر مباحث الفن باحثة عن أحوال غير الأدلة كمباحث الأمر والنهي والعام والخاص و المطلق والمقيد وكالمباحث التي يبحث فيها عن حجية الكتاب و خبر الواحد وكالمباحث التي يبحث فيها عن عدم حجية القياس و الاستحسان أما القسم الأول فلان مباحثها عامة كعموم مباحث النحو و الصرف واللغة ولا اختصاص لها بالأدلة وأما القسم الثاني فلان البحث فيها ليس عن الأدلة إذ كونها أدلة إنما تعرف بتلك المباحث و أما القسم الثالث فلان البحث فيها ليس عن الدليل بل عما ليس بدليل قلت أما المباحث الأول فإنما يبحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة فعند التحقيق ليس موضوع مباحثهم مطلق تلك الأمور بل المقيد منها بالوقوع في الكتاب والسنة ولا يقدح في ذلك بيانهم لوضعه اللغوي والعرفي إذ المقصود بيان مداليل تلك الألفاظ بأي وجه كان لا يقال يجوز أن يكون بحثهم في الفن عن هذه الأمور عن مطلقها ولا يلزم الاشكال لان مطلقها جز من الكتاب و السنة كما أن المقيد منها جز منهما أو لان المطلق جز من المقيد و المقيد جز من الموضوع فيكون المطلق أيضا جز منه لان جز الجز وقد علم أن موضوع مسائل الفن قد يكون بعض أجزاء الموضوع لأنا
(١١)